ثم شرع فى قصص الأنبياء ، تسلية لرسوله صلىاللهعليهوسلم ، فقال :
(إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ ناراً سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (٧) فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها وَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٨) يا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٩) وَأَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (١٠) إِلاَّ مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (١١))
يقول الحق جل جلاله : واذكر (إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ) ؛ زوجته ومن معه ، عند مسيره من مدين إلى مصر : (إِنِّي آنَسْتُ) أي : أبصرت (ناراً ، سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ) عن حال الطريق التي ضل عنها. والسين للدلالة على نوع بعد فى المسافة ، وتأكيد الوعد. (أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ) (١) (قَبَسٍ) أي : شعلة نار مقبوسة ، أي : مأخوذة. ومن نوّن فبدل ، أو صفة ، وعلى القراءتين فالمراد : تعيين المقصود الذي هو القبس ، الجامع لمنفعتى الضياء والاصطلاء ؛ لأن من النار ما ليس بقبس ، كالجمرة. وكلتا العدتين منه عليهالسلام بطريق الظن ، كما يفصح عن ذلك ما فى سورة طه ، من صيغتى الترجي والترديد (٢) ؛ لأن الراجي إذا قوى رجاؤه يقول : سأفعل كذا ، وسيكون كذا ، مع تجويزه التخلف. وأتى بأو ؛ لأنه بنى الرجاء على أنه إن لم يظفر بحاجتيه معا لم يعدم واحدة منهما ، إما هداية الطريق ، وإما اقتباس النار ، ولم يدر أنه ظافر بحاجته الكبرى ، وهى عزّ الدنيا والآخرة.
واختلاف الألفاظ فى هاتين السورتين ، والقصة واحدة ، دليل على نقل الحديث بالمعنى ، وجواز النكاح بغير لفظ النكاح والتزويج. قاله النسفي.
(لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) ؛ تستدفئون بالنار من البرد إذا أصابكم.
(فَلَمَّا جاءَها) أي : النار التي أبصرها (نُودِيَ) من جانب الطور (أَنْ بُورِكَ) ، على أنّ «أن» مفسرة ؛ لما فى النداء من معنى القول. أو : بأن بورك ، على أنها مصدرية ، وقيل : مخففة ، ولا ضرر فى فقدان الفصل ب «لا» ،
__________________
(١) قرأ عاصم ، وحمزة ، والكسائي ، ويعقوب ، وخلف (بشهاب) بالتدوين ، على القطع عن الإضافة ، و «قبس» بدل منه ، أو : صفة له ، بمعنى مقتبس ، أو مقبوس. وقرأ الباقون بغير تنوين ، لبيان النوع. أي من قبس ، كخاتم فضة. انظر الإتحاف (٢ / ٣٢٣).
(٢) فى قوله تعالى : (.. لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً) الآية ١٠ من سورة طه.