ثم وبّخ الخائضين فى حديث الإفك ، فقال :
(لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ (١٢) لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكاذِبُونَ (١٣))
قلت : قال ابن هشام : وقد يلى حرف التخصيص اسم معلق بفعل ، إما بمضمر ، نحو : «فهلّا بكرا تلاعبها وتلاعبك» (١) أي : فهلا تزوجت ، أو مؤخرا نحو : (لو لا إذ سمعتموه قلتم ..) أي : فهلا قلتم إذ سمعتموه. ه. وإليه أشار فى الخلاصة بقوله :
وقد يليها اسم بفعل مضمر |
|
علّق أو بظاهر مؤخّر |
يقول الحق جل جلاله : (لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ) أي : الإفك (ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً) بالذين هم منهم ؛ لأن المؤمنين كنفس واحدة ، كقوله : (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) (٢) أي : هلا ظنوا بإخوانهم خيرا : عفافا وصلاحا ، وذلك نحو ما يروى عن عمر رضي الله عنه قال لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : (أنا قاطع بكذب المنافقين ؛ لأن الله تعالى عصمك عن وقوع الذباب على جلدك ، لئلا يقع على النجاسات فتلطّخ بها ، فإذا عصمك من ذلك فكيف لا يعصمك من صحبة من تكون ملطخة بهذه الفاحشة)!. وقال عثمان رضي الله عنه : (ما أوقع ظلك على الأرض ؛ لئلا يضع إنسان قدمه عليه ؛ فلمّا لم يمكّن أحدا من وضع القدم على ظلك ، فكيف يمكّن أحدا من تلويث عرض زوجتك!). وكذا قال علىّ رضي الله عنه : إن جبريل أخبرك أنّ على نعلك قذرا ، وأمرك بإخراج النعل عن رجلك ، بسبب ما التصق به من القذر ، فكيف لا يأمرك بإخراجها ، على تقدير أن تكون متلطخة بشىء من الفواحش)؟ قاله النسفي.
وروى أن أبا أيوب الأنصاري قال لامرأته : ألا ترين ما يقال فى عائشة؟ فقالت : لو كنت بدل صفوان أكنت تخون رسول الله صلىاللهعليهوسلم؟ فقال : لا ، قالت : ولو كنت أنا بدل عائشة ما خنت رسول الله ، فعائشة خير منى ، وصفوان خير منك. وفى رواية ابن إسحاق : قالت زوجة أبى يوب لأبى أيوب : ألا تسمع ما يقول الناس فى عائشة؟ قال : بلى ، وذلك الكذب ، أكنت فاعلة ذلك يا أم أيوب؟ قالت : لا والله ، فقال : عائشة خير منك ، سبحان الله ، هذا بهتان عظيم ، فنزل : (لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ..) الآية (٣).
__________________
(١) جاء ذلك فى حديث سيدنا جابر ، وأخرجه البخاري فى (النكاح ، باب تزويج الثيبات ح ٥٠٧٩) ، ومسلم فى (الرضاع ، باب استحباب نكاح البكر ، ٢ / ١٠٨٧ ، ح ٥٦ فى الباب) ولفظ البخاري : (هلّا جارية ..).
(٢) من الآية ١١ من سورة الحجرات.
(٣) انظر تفسير ابن جرير (١٨ / ٩٦) ، والبغوي (٦ / ٢٥) ، وأسباب النزول للواحدى ، ص (٣٣٣).