فنحن مطيعون إليك ، فمرينا بأمرك ، نمتثل أمرك ، ولا نخالفك. كأنهم أشاروا عليها بالقتال ، أو أرادوا : نحن من أبناء الحرب ، لا من أبناء الرأى والمشورة ، وأنت ذات الرأى والتدبير ، فانظرى ماذا تأمرين نتبع رأيك.
فلما أحست منهم الميل إلى المحاربة مالت إلى المصالحة ، فزيفت رأيهم ، حيث (قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً) على منهاج المقاتلة والحرب ، أو عنوة وقهرا (أَفْسَدُوها) بتخريب عمارتها ، وإتلاف ما فيها من الأموال ، (وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً) بالقتل والأسر والإجلاء ، وغير ذلك من فنون الإهانة ؛ ليستقيم لهم ملكهم وحدهم. ثم قالت : (وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ) أي : وهذه عادتهم المستمرة التي لا تتغير ، لأنها كانت فى بيت المملكة قديما ، أبا عن أب ، فجربت الأمور ، أو : يكون من قول الله تعالى ، تصديقا لقولها ، أي : قال الله تعالى : وكذلك شأن الملوك إذا غلبوا وقهروا أفسدوا. وأنشدوا فى هذا المعنى :
إنّ الملوك بلاء حيثما حلّوا |
|
فلا يكن بك فى أكنافهم ظلّ |
ماذا يؤمّل من قوم إذا غضبوا |
|
جاروا عليك وإن أرضيتهم ملوا |
وإن صدقتهم خالوك تخدعهم |
|
واستثقلوك كما يستثقل الكلّ |
فاستغن بالله عن أبوابهم أبدا |
|
إنّ الوقوف على أبوابهم ذلّ |
ففى صحبة الملوك خطر كبير ، وتعب عظيم ، فمن قوى نوره ، حتى يغلب على ظلمتهم ، بحيث يتصرف فيهم ، ولا يتصرفون فيه ، فلا بأس بمعرفتهم ، إن كان فيه نفع للناس بالشفاعة والنصيحة ، وقد أقيم فى هذا المقام الشيخ أبو الحسن الشاذلى ، وشيخ شيخنا مولاى العربي الدرقاوى ـ رضى الله عنهما ـ وكان تلميذاهما الشيخ أبو العباس المرسى ، وشيخنا سيدى محمد البوزيدى الحسنى ـ رضى الله عنهما ـ يفران من صحبتهم ، أشد الفرار ، وهو أسلم. والله تعالى أعلم.
الإشارة : قال صاحب الخصوصية لنفسه : سننظر أصدقت فى الخصوصية أم أنت من الكاذبين ، اذهب بما معك من العلم ، وذكّر به عباد الله ، وألقه إليهم ، ثم تولّ عنهم ، وانظر ماذا يرجعون ، فإن تأثروا بوعظك ، وانتقش فيهم قولك ، فأنت صادقة فى ثبوت الخصوصية لديك ؛ لأن أهل العلم بالله إذا تكلموا وقع كلامهم فى قلوب العباد ، فحييت به قلوبهم وأرواحهم. ومن لا خصوصية له صدت كلامه الآذان. قالت حين أراد التذكير : يا أيها الملأ إنى ألقى إلىّ فى قلبى كتاب كريم ، وعلم عظيم ، فلا تعلو علىّ وأتونى مسلمين ، منقادين لما آمركم به ، وقالت ـ لمّا تطهرت من الأكدار ، وتحررت من الأغيار ، وأحدقت بها جنود الأنوار : يا أيها الملأ ـ تعنى جنود الأنوار ـ أفتونى فى