(وَيُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ) الدالة على الشرائع ومحاسن الأدب ، دلالة واضحة ؛ لتتعظوا وتتأدبوا ، أي : ينزلها كذلك ظاهرة مبينة ، (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) ؛ عليم بأحوال مخلوقاته ، حكيم فى جميع تدابيره وأفعاله ، فأنّى يصحّ ما قيل فى حرمة من اصطفاه لرسالته ، وبعثه إلى كافة الخلق ، ليرشدهم إلى الحق ، ويزكيهم ويطهرهم تطهيرا؟ والله تعالى أعلم.
الإشارة : الكلام فى الأولياء سم قاتل ؛ لأن الله ينتصر لأوليائه لا محالة ، فمنهم من ينتصر لهم فى الدنيا بإنزال البلايا والمحن فى بدنه أو ولده أو ماله ، ومنهم من يؤخر عقوبته إلى الآخرة ، وهو أقبح. ومنهم من تكون عقوبته دينية قلبية ؛ كقساوة القلب وجمود العين ، وتعويق عن الطاعة ، ووقوع فى ذنب ، أو فترة فى همة ، أو سلب لذاذة خدمة أو معرفة ، وهذه أقبح العقوبة ، والعياذ بالله.
ثم أوعد من كان يشيع حديث الإفك ، فقال :
(إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (١٩) وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (٢٠))
يقول الحق جل جلاله : (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ) ؛ يريدون (أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ) أي : تنتشر الخصلة المفرطة فى القبح ، وهو الرمي بالزنا ، أو نفس الزنا ، والمراد بشيوعها : شيوع خبرها ، أي : يحبون شيوعها ويتصدون مع ذلك لإشاعتها. وإنما لم يصرح به ؛ اكتفاء بذكر المحبة ؛ فإنها مستلزمة له لا محالة ، وهم : عبد الله بن أبىّ وأصحابه ومن تبعهم. (لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا) ؛ بالحدّ والفضيحة والتكذيب. ولقد ضرب صلىاللهعليهوسلم الحدّ كل من رمى عائشة. وتقدم الخلاف فى ابن أبى ، فقيل : حدّه ، وقيل : تركه ؛ استئلافا له. (وَ) لهم العذاب فى (الْآخِرَةِ) بالنار وغيرها ، إن لم يتوبوا. (وَاللهُ يَعْلَمُ) جميع الأمور ، التي من جملتها : المحبة المذكورة ، (وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ما يعلمه تعالى ، بل إنما يعلمون ما ظهر من الأقوال والأفعال المحسوسة ، فابنوا أمركم على ما تعلمونه ، وعاقبوا فى الدنيا على ما تشاهدونه من الأحوال الظاهرة ، والله يتولى السرائر ، فيعاقب فى الآخرة على ما تكنه الصدور.