والمغفرة ، (لَمَسَّكُمْ) عاجلا (فِيما أَفَضْتُمْ) أي : بسبب ما خضتم (فِيهِ) من حديث الإفك (عَذابٌ عَظِيمٌ) يستحقر دونه التوبيخ والجلد ، يقال أفاض فى الحديث ، وفاض ، واندفع : إذا خاض فيه.
(إِذْ تَلَقَّوْنَهُ) أي : لمسكم العذاب العظيم وقت تلقيه إياكم من المخترعين له ، يقال : تلقى القول ، وتلقنه ، وتلقفه ، بمعنى واحد ، غير أن التلقف : فيه معنى الخطف والأخذ بسرعة ، أي : إذ تأخذونه (بِأَلْسِنَتِكُمْ) ؛ بأن يقول بعضكم لبعض : هل بلغك حديث عائشة ، حتى شاع فيما بينكم وانتشر ، فلم يبق بيت ولا ناد إلا طار فيه. (وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) أي : قولا لا حقيقة له ، وقيّده بالأفواه ، مع أن الكلام لا يكون إلا بالفم ؛ لأن الشيء المعلوم يكون فى القلب ، ثم يترجم عنه اللسان ، وهذا الإفك ليس إلا قولا يدور فى الأفواه ، من غير ترجمة عن علم به فى القلب. (وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً) أي : وتظنون أن خوضكم فى عائشة سهل لا تبعة فيه ، (وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ) أي : والحال أنه عند الله كبير ، لا يقادر قدره فى استجلاب العذاب. جزع بعض الصالحين عند الموت ، فقيل له فى ذلك ، فقال : أخاف ذنبا لم يكن منى على بال ، وهو عند الله عظيم.
(وَلَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ) من المخترعين والشائعين له (قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا) ؛ ما يمكننا (أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا) ، وما ينبغى أن يصدر عنا ، وتوسيط الظروف بين «لو لا» و «قلتم» إشارة إلى أنه كان الواجب أن يبادروا بإنكار هذا الكلام فى أول وقت سمعوه ، فلما تأخر الإنكار وبّخهم عليه ، فكان ذكر الوقت أهمّ ، فقدّم ، والمعنى : هلّا قلتم إذ سمعتم الإفك : ما يصح لنا أن نتكلم بهذا ، (سُبْحانَكَ) ؛ تنزيها لك ، وهو تعجب من عظم ما فاهوا به. ومعنى التعجب فى كلمة التسبيح : أن الأصل أن يسبح الله عند رؤية العجيب من صنائعه تعالى ، ثم كثر حتى استعمل فى كل متعجب منه. أو : تنزيها لك أن يكون فى حرم نبيك فاجرة ، (هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ) ؛ لعظمة المبهوت عليه ، واستحالة صدقه ، فإنّ حقارة الذنوب وعظمتها باعتبار متعلقاتها. وقال فيما تقدم : (هذا إِفْكٌ مُبِينٌ) (١). ويجوز أن يكونوا أمروا بهما معا ، مبالغة فى التبري.
(يَعِظُكُمُ اللهُ) أي : ينصحكم (أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ) أي : كراهة أن تعودوا ، أو يزجركم أن تعودوا لمثل هذا الحديث أو القذف أو الاستماع ، (أَبَداً) ؛ مدة حياتكم ، (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) ؛ فإن الإيمان وازع عنه لا محالة. وفيه تهييج وتقريع وتذكير بما يوجب ترك العود ، وهو الإيمان الصادّ عن كل قبيح.
__________________
(١) الآية ١٢ من سورة النور.