(وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) بالهداية والتوفيق لأسباب التطهير والعصمة والحفظ ، (ما زَكى مِنْكُمْ) أي : ما طهر من أدناس العيوب ولوث الفواحش (مِنْ أَحَدٍ أَبَداً) ؛ إلى ما لا نهاية له ، وإذا كان التطهير والعصمة بيد الله فلا تروا لأنفسكم فضلا عمن لم يعصمه الله ؛ فإنه مقهور تحت مجارى الأقدار ، (وَلكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ) ؛ يطهر من يشاء من عباده ؛ بإفاضة آثار فضله ورحمته عليه ؛ بالحفظ والرعاية ، أو بالتوبة بعد الجناية ، (وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) ؛ سميع لأقوالكم وإن خفيت ، ومن جملتها : الحلف على ترك فعل الخير ، عليم بنياتكم وإخلاصكم.
وهذا الكلام مقدمة لقوله : (وَلا يَأْتَلِ) ، من قولك : أليت : إذا حلفت ، أي : لا يحلف (أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ) أي : فى الدين ، وكفى به دليلا على فضل الصّديق رضي الله عنه ، (وَالسَّعَةِ). أي : والسعة فى المال (أَنْ يُؤْتُوا) أي : لا يحلف على ألا يعطوا (أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ) ؛ كمسطح ، فإنه كان ابن خالته ، وكان من فقراء المهاجرين. وهذه الأوصاف هى لموصوف واحد ، جىء بها ، بطريق العطف ؛ تنبيها على أن كلّا منها علة مستقلة لاستحقاقه الإيتاء. وحذف المفعول الثاني ؛ لظهوره ، أي : على ألّا يؤتوهم شيئا ، (وَلْيَعْفُوا) عما فرط منهم (وَلْيَصْفَحُوا) بالإغضاء عنه ، فالعفو : التستر ، والصفح : الإعراض ، أي : وليتجاوزوا عن الجفاء ، وليعرضوا عن العقوبة.
(أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ)؟ فلتفعلوا ما تحبون أن يفعل بكم وبهم ، مع كثرة خطاياهم ، (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ؛ مبالغ فى المغفرة والرحمة ، مع كثرة ذنوب العباد ، فتأدبوا بآداب الله ، واعفوا ، وارحموا. ولما قرأها النبي صلىاللهعليهوسلم على أبى بكر رضي الله عنه قال : بل أحب أن يغفر الله لى. ورد إلى مسطح نفقته ، وقال : والله لا أنزعها منه أبدا (١). وبالله التوفيق.
الإشارة : كل ما يصد عن مكارم الأخلاق ؛ كالحلم ، والصبر ، والعفو ، والكرم ، والإغضاء ، وغير ذلك من الكمالات ، فهو من خطوات الشيطان ، تجب مجانبته ، فإن الشيطان لا يأمر إلا بالفحشاء والمنكر ؛ كالغضب ، والانتصار ، والحمية ، والحقد ، والشح ، والبخل ، وغير ذلك من المساوئ ، ولا طريق إلى الدواء من تلك المساوئ إلا بالرجوع إلى الله والاضطرار له ، والتعلق بأذيال فضله وكرمه.
__________________
(١) أخرجه البخاري فى (تفسير سورة النور ، باب (لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً) ح ٤٧٥٠) وفى مواضع أخرى. وأخرجه مسلم فى (التوبة ، باب فى حديث الإفك ٤ / ٩٢٩ ـ ٢١٣٦ ، ح ٢٧٧٠) ، كلاهما فى سياق حديث الإفك الطويل.