ولو لا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا ، فإذا تعلق بالله ، واضطر إليه اضطرار الظمآن إلى الماء طهّره الله وزكاه ، إما بلا سبب ، أو بأن يلقيه إلى شيخ كامل ، يربيه ويهذبه بإذن الله ، وهذا هو الكثير ، والكل منه وإليه.
قال الورتجبي قوله تعالى : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ..) إلخ : بيّن أن تطهير العباد من الذنوب لا يكون إلا بفضله السابق وعنايته الأزلية ، كيف يزكى العلل ما يكون عللا ، فالمعلول لا يطهّر ، والمعلول أفعال الحدثان على كل صنف ، ولطف القديم له استحقاق ذهاب العلل بوصوله. قال السياري : قال الله : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ) ، ولم يقل : لو لا عبادتكم وصلاتكم وجهادكم وحسن قيامكم بأمر الله ما نجا منكم أحد ؛ ليعلم أن العبادات ، وإن كثرت ، فإنها من نتائج الفضل. ه.
قال فى الحاشية : وظهر لى أن الآية مقدمة لما ندب إليه الصدّيق بقوله : (وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ) ، ففيه إشارة إلى أن فضله وزكاته فضل من الله عليه ، وعناية سابقة ، وهى سبب حفظه وتحليه بخلع كوامل الأوصاف ، فليشهد ذلك ، ولا يأتل على من لم يجد ذلك ، حتى وقع فيما وقع من القذف ، بل يعذره ، ويرى منّة الله عليه فى كونه نزّهه بعنايته من الوقوع فى مثل ذلك ، مع كون المحل قابلا ، ولكن الله خصّصه. ه.
قال الورتجبي على قوله : (وَلا يَأْتَلِ ..) إلخ : فى الآية بيان وتأديب الله للشيوخ والأكابر ألّا يهجروا صاحب العثرات والزلات ، من المريدين ، ويتخلقوا بخلق الله ، حيث يغفر الذنوب العظام ولا يبالى ، وأعلمهم ألّا يكفّوا أعطافهم عنهم. ثم قال : فإنّ من له استعداد لا يحتجب بعوارض البشريّة عن أحكام الطّريقة أبدا. ه.
ثم ذكر وبال القاذفين لعائشة ـ رضى الله عنها ـ أو لغيرها ، فقال :
(إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٢٣) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (٢٥))
قلت : «يوم تشهد» : ظرف للاستقرار ، فى «لهم» ، أو : معمول لا ذكر.
يقول الحق جل جلاله : (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ) ؛ يقذفون (الْمُحْصَناتِ) ؛ العفائف مما رمين به من الفاحشة ، (الْغافِلاتِ) عنها على الإطلاق ، بحيث لم يخطر ببالهن شىء منها ولا من مقدماتها ، أو السليمات