الصدور ، النقيات القلوب ، اللاتي ليس فيهن دهاء ولا مكر ؛ لأنهن لم يجربن الأمور ، (الْمُؤْمِناتِ) ؛ المتصفات بالإيمان بكل ما يجب الإيمان به ، إيمانا حقيقيا لا يخالجه شىء مما يكدره. عن ابن عباس : هنّ أزواج النبي صلىاللهعليهوسلم ، وقيل : جميع المؤمنات ؛ إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. وقيل : أريدت عائشة وحدها ، وإنما جمع ؛ لأن من قذف واحدة من أزواج النبي صلىاللهعليهوسلم فكأنه قذفهنّ.
ثم ذكر الوعيد ، فقال : (لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) ، حيث يلعنهم اللاعنون من المؤمنين والملائكة أبدا ، (وَلَهُمْ) مع ذلك (عَذابٌ عَظِيمٌ) ، هائل لا يقادر قدره ؛ لعظم ما اقترفوه من الجناية ، إن لم يتوبوا ، فيعذبون.
(يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي : بما أفكوا وبهتوا (يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ) أي : يوم تشهد جوارحهم بأعمالهم القبيحة يوفيهم الله جزاءهم (الْحَقَ) أي : الثابت الذي يحق أن يثبت لهم لا محالة ، أو الذي هم أهله ، والحق : صفة لدينهم ، أو لله ، ونصب على المدح. (وَيَعْلَمُونَ) عند ذلك (أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُ) الثابت الواجب الوجود (الْمُبِينُ) ؛ الظاهر البين ؛ لارتفاع الشكوك ، وحصول العلم الضروري ؛ لارتفاع الغطاء بظهور ما كان وعدا غيبا.
ولم يغلظ الله تعالى فى القرآن فى شىء من المعاصي تغليظه فى إفك عائشة ـ رضى الله عنها ـ فأوجز فى ذلك وأشبع ، وفصّل ، وأجمل ، وأكّد ، وكرّر ، وما ذلك إلا لأمر عظيم.
وعن ابن عباس رضي الله عنه : (من أذنب ذنبا وتاب قبلت توبته ، إلا من خاض فى أمر عائشة ـ رضى الله عنها) (١) ، وهذا منه مبالغةّ وتعظيم لأمر الإفك ، وقد برّأ الله تعالى أربعة ؛ برّأ يوسف بشاهد من أهلها ، وموسى عليهالسلام من قول اليهود فيه : أنه آدر ، بالحجر الذي ذهب بثوبه ، ومريم بنطق ولدها ، وعائشة بهذه الآي العظام فى كتابه المعجز ، المتلوّ على وجود الدهر ، بهذه المبالغات. فانظر : كم بينها وبين تبرئة أولئك؟! وما ذلك إلا لإظهار علوّ منزلة رسوله ، والتنبيه على إنافة محله (٢) صلىاللهعليهوسلم.
وقد رام بعض النصارى الطّعن على المسلمين بقضية الإفك ، فقال : كيف تبقى زوجة نبيكم مع رجل أجنبى؟ فقال له ، من كان يناظره من العلماء : قد برأها من برأ أمّ نبيكم ، فبهت الذي كفر. والله تعالى أعلم.
الإشارة : قد مدح الله تعالى أزواج النبي صلىاللهعليهوسلم بثلاثة أوصاف ، هى من أكمل الأوصاف : العفة ، والتغافل ، وتحقيق الإيمان ؛ أما العفة : فهى حفظ القلب من دخول الهوى ، والجوارح من معاصى المولى ، وأما التغافل : فهو
__________________
(١) عزاه الهيثمي فى المجمع (٦ / ٨٠) للطرانى بأسانيد.
(٢) أي : علو مقامه وارتفاعه.