الغيبة عما سوى الله ، والتغافل عن مساوئ الناس. وفى الحديث : «المؤمن ثلثاه تغافل» ، وقال أيضا صلىاللهعليهوسلم : «المؤمن غرّ كريم ، والمنافق خبّ لئيم» (١) وأما تحقيق الإيمان فيكون بالتفكر والاعتبار ، وبصحبة الصالحين الأبرار ، ثم يصير الإيمان ضروريا بصحبة العارفين الكبار.
قال القشيري : قوله تعالى : (وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ) : تصير المعارف ضرورية ، فيجدون المعافاة فى النظر والتذكر ، ويستريح القلب من وصفي تردّده وتغيّره ، باستغنائه ببصره عن تبصره. ويقال : لا يشهدون هذا إلا بالحق ، فهم قائمون بالحق للحق مع الحق ، يبدى لهم أسرار التوحيد وحقائقه ، فيكون القائم فيهم والآخذ لهم عنهم ، من غير أن يردهم عليهم. ه. وبالله التوفيق.
ثم برهن على نزاهة أهل البيت النبوي بقوله :
(الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٢٦))
يقول الحق جل جلاله : (الْخَبِيثاتُ) من النساء (لِلْخَبِيثِينَ) من الرجال ، (وَالْخَبِيثُونَ) من الرجال (لِلْخَبِيثاتِ) من النساء. وهذه قاعدة السنة الإلهية ، أن الله تعالى يسوق الأهل للأهل ، فمن كان خبيثا فاسقا يزوجه الله للخبيثة الفاسقة مثله ، ومن كان طيبا عفيفا رزقه الله طيبة مثله. وهو معنى قوله تعالى : (وَالطَّيِّباتُ) من النساء (لِلطَّيِّبِينَ) من الرجال (وَالطَّيِّبُونَ) من الرجال ، (لِلطَّيِّباتِ) من النساء فهذا هو الغالب.
وحيث كان ـ عليه الصلاة والسلام ـ أطيب الأطيبين ، وخيرة الأولين والآخرين ، تبين كون الصديقة ـ رضى الله عنها ـ من أطيب الطيبات ، واتضح بطلان ما قيل فيها من الخرافات ، حسبما نطق به قوله تعالى : (أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ) ، على أن الإشارة إلى أهل البيت ، المنتظمين فى سلك الصّدّيقيّة انتظاما أوليا ، وقيل : إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم والصدّيقة وصفوان ، وما فى اسم الإشارة من معنى البعد ، للإيذان بعلو رتبة المشار إليهم ، وبعد منزلتهم فى الفضل ، أي : أولئك الموصوفون بعلو الشأن : مبرؤون مما يقوله أهله الإفك فى حقهم من الأكاذيب الباطلة.
وقيل : (الخبيثات) من القول تقال (للخبيثين) من الرجال والنساء ، أي : لائقة بهم ، لا ينبغى أن تقال إلا لهم. (والخبيثون) من الفريقين أحقّاء بأن يقال فى حقهم خبائث القول. (والطيبات) من الكلم (للطيبين) من الفريقين ،
__________________
(١) أخرجه الترمذي فى (البر ، باب ما جاء فى البخيل ، ح ١٩٦٥) ، وأبو داود فى (الأدب ، باب فى حسن العشرة ح ٤٧٩٠) ، والبيهقي فى السنن (١٠ / ٩٥) ؛ من حديث أبى هريرة رضي الله عنه ، بلفظ : «الفاجر» ، بدل «المنافق».