مختصة بهم ، وهم أحقاء بأن يقال فى شأنهم طيبات الكلم. (أُولئِكَ) الطيبون (مُبَرَّؤُنَ) مما يقول الخبيثون فى حقهم. فمآله تنزيه الصديقة أيضا. وقيل : الخبيثات من القول لا تصدر إلا من الخبيثين ، والطيبات من الكلمات لا تصدر إلا من الطيبين ، وهم مبرؤون مما يقوله أهل الخبث ، لا يقع ذلك منهم البتّة ، (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) لما لا يخلو عنه البشر من الذنب ، (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) ؛ هو نعيم الجنان.
دخل ابن عباس رضي الله عنه على عائشة ـ رضى الله عنها ـ فى مرضها ، وهى خائفة من القدوم على الله عزوجل ، فقال : لا تخافي ، فإنك لا تقدمين إلا على مغفرة ورزق كريم ، وتلى الآية ، فغشى عليها : فرحا بما تلا. وقالت رضى الله عنها ـ : (قد أعطيت تسعا ما أعطيتهنّ امرأة : نزل جبريل بصورتى فى راحته ، حين أمر ـ عليه الصلاة والسلام ـ أن يتزوجنى ، وتزوجنى بكرا ، وما تزوج بكرا غيرى ، وتوفى ـ عليه الصلاة والسلام ـ ورأسه فى حجرى ، وقبره فى بيتي ، وينزل عليه الوحى وأنا فى لحافه ، وأنا ابنة خليفته وصديقه ، ونزل عذرى من السماء ، وخلقت طيبة عند طيب ، ووعدت مغفرة ورزقا كريما) (١).
الإشارة : الأخلاق الخبيثة ؛ مثل الكبر ، والعجب ، والرياء ، والسمعة ، والحقد ، والحسد ، وحب الجاه والمال ، للخبيثين ، والخبيثون للخبيثات ، فهم متصفون بها ، وهى لازمة لهم ، إلا أن يصحبوا أهل الصفاء والتطهير ، فيتطهرون بإذن الله ، والأخلاق الطيبات ؛ كالتواضع ، والإخلاص ، وسلامة الصدور ، والزهد ، والورع ، والسخاء ، والكرم ، وغير ذلك من الأخلاق الطيبة ، للطيبين ، والرجال الطيبون للأخلاق الطيبات. أولئك مبرءون مما يقول أهل الإنكار فيهم ، لهم مغفرة ؛ ستر لعيوبهم ، ورزق كريم لأرواحهم ؛ من قوت اليقين ، وشهود رب العالمين. وبالله التوفيق.
ولمّا كان سبب الإفك هو تهمة الخلوة ، أمر بالاستئذان ، فقال :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٢٧) فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكى لَكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٢٨) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ (٢٩))
__________________
(١) هذه المناقب ثابتة بأحاديث صحيحة. انظرها فى جامع الأصول لابن الأثير (٩ / ١٣٢ ـ ١٤٣) والدر المنثور للسيوطى (٥ / ٥٨).