القواد. (عَسى أَنْ يَنْفَعَنا) ؛ فإن فيه مخايل اليمن ودلائل النفع ، وذلك لما عاينت من النور وبرء البرصاء. (أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً) ؛ أو : نتبناه ؛ فإنه أهل لأن يكون ولد الملوك. قال تعالى : (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) ما يكون من أمره وأمرهم ، أو : لا يشعرون أن هلاكهم على يديه ، أو : لا يشعرون أنهم على خطأ عظيم فى التقاطه ورجاء النفع منه. والله تعالى أعلم.
الإشارة : يقال لمن يعالج تربية مريد : أرضعه من لبن علم الغيوب ، فإذا خفت عليه الوقوف مع الشرائع (١) ، فألقه فى اليم ؛ فى بحر الحقائق ، ولا تخف ولا تحزن ، إنا رادوه إلى بر الشرائع ، ليكون من الكاملين ، لأن من غرق فى بحر الحقيقة ، على يد شيخ كامل ، لا بد أن يخرجه إلى بر الشريعة ، ويسمى البقاء ، وهو القيام برسم الشرائع ، فالبقاء يطلب الفناء ، فمن تحقق بمقام الفناء ؛ فلا بد أن يخرج إلى البقاء ، كما يخرج من فصل الشتاء إلى الربيع. والله تعالى أعلم.
وقوله تعالى : (لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) ، ما كان التقاط فرعون لموسى إلا للمحبة والفرح ، فخرج له عكسه. ومن هذا كان العارفون لا يسكنون إلى شىء ، ولا يعتمدون على شىء ؛ لأن العبد قد يخرج له الضرر من حيث النفع ، وقد يخرج له النفع من حيث يعتقد الضرر ، وقد ينتفع على أيدى الأعداء ، ويضرّ على أيدى الأحبّاء ، فليكن العبد سلما بين يدى سيده ، ينظر ما يفعل به. (وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ).
ثم قال تعالى :
(وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠) وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١١))
يقول الحق جل جلاله : (وَأَصْبَحَ) أي : صار (فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً) من كل شىء إلا من ذكر موسى وهمه ، أو : فارغا : خاليا من العقل ؛ لما دهمها من الجزع والحيرة ، حين سمعت بوقوعه فى يد فرعون ، ويؤيده قراءة ابن محيصن : «فزعا» ؛ بالزاي بلا ألف ، أو : فارغا من الوحى الذي أوحى إليها أن تلقيه فى اليم ، ناسيا
__________________
(١) أي : الوقوف الظاهري ، الشكلانى ، دون تحقق القلب والنفس بحقائق الإيمان ولوازمه. فهذا هو الذي يخاف منه ، مثل وقوف الخوارج ، الذين وصفهم الرسول صلىاللهعليهوسلم بأن إيمانهم لا يجاوز حناجرهم ، وأن قراءتهم لا تجاوز تراقيهم ، وأن صلاتهم لا تجاوز تراقيهم ، أي : أن تعبدهم وتدينهم هو تدين برّانى ، شكلانى ، لا ينبثق من الأعماق ، من الكيان الجواني للإنسان.