يستوى عندك من يمدحك ويذمك ، ويعطيك ويمنعك ، ومن يؤذيك وينفعك ، ومن يشدد عليك ويوسع ، فلا أشك فى كمالك. ه.
فإن قلت : لم ذكر الحق ، جلّ جلاله ، الاستواء فى حق سيدنا موسى ، ولم يذكره فى حق نبيه يوسف ـ عليهماالسلام؟ فالجواب : أن سيدنا يوسف عليهالسلام تربى فى السجن وفى نار الجلال ، وكل محنة تزيد تهذيبا وتدريبا ، فما بلغ الأشد حتى وقع له كمال الاستواء ، بخلاف سيدنا موسى عليهالسلام فإنه تربى فى العز والجمال ، فاحتاج إلى تربية وتهذيب ، بعد كمال الأشد ، فلم يحصل له كمال الأدب إلا بعد الاستواء الذي يليق به ، فلذلك ذكره فى حقه. والله تعالى أعلم.
ثم قال تعالى :
(فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (١٨) فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما قالَ يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (١٩) وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (٢٠) فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢١))
قلت : جملة (يسعى) : حال من (رجل) ؛ لأنه وصف بالجار.
يقول الحق جل جلاله : (فَأَصْبَحَ) موسى (فِي الْمَدِينَةِ) أي : مصر (خائِفاً) على نفسه من قتله ؛ قودا بالقبطي ، وهذا الخوف أمر طبيعى لا ينافى الخصوصية ، (يَتَرَقَّبُ) : ينتظر الأخبار عنه ، أو ما يقال فيه ، أو يترصد الاستفادة منه. وقال ابن عطاء : خائفا على نفسه ، يترقب نصرة ربه ، (فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ) : يستغيثه ، مشتق من الصراخ ؛ لأنه يقع فى الغالب عند الاستغاثة. والمعنى : أن الإسرائيلى الذي خلصه موسى استغاث به ثانيا من قبطى آخر ، (قالَ لَهُ مُوسى) أي : للإسرائيلى : (إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ) أي : خال عن الرشد ، ظاهر الغى ، فقد قاتلت بالأمس رجلا فقتلته بسببك. قال ابن عباس : أتى فرعون ، فقيل له : إن بنى إسرائيل قد قتلوا منا رجلا ، فالقصاص ، فقال : ابغوني القاتل والشهود ، فبينما هم يطلبون إذ مر موسى من الغد ،