السحر ، وليس بمعجزة من عند الله ، (وَما سَمِعْنا بِهذا) ، يعنى : السحر ، أو : ادعاء النبوة ، (فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ) ، الجار : حال منصوبة بهذا ، أي : ما سمعنا بهذا كائنا فى آبائنا ، أي : ما حدّثنا بكونه فيهم ، ولا موجودا فى آبائهم.
(وَقالَ مُوسى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ) ، فيعلم أنى محق ، وأنتم مبطلون. وقرأ ابن كثير : «قال» ؛ بغير واو ؛ جوابا لمقالتهم. (وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ) أي : العاقبة المحمودة ، فإن المراد بالدار : الدنيا ، وعاقبتها الأصلية هى الجنة ؛ لأن الدنيا خلقت معبرا ومجازا إلى الآخرة ، والمقصود منها ، بالذات ، هو المجازاة على الأعمال فيها من الثواب الدائم ، أو العقاب الأليم ، (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) ؛ لا يفوزون بالهدى فى الدنيا ، وحسن العاقبة فى العقبى.
قال النسفي : قل ربى أعلم منكم بحال من أهّله الله للفلاح الأعظم ؛ حيث جعله نبيا ، وبعثه بالهدى ، ووعده حسن العقبى ، يعنى نفسه ، ولو كان كما تزعمون ، ساحرا ، مفتريا ، لما أهله لذلك ؛ لأنه غنى حكيم ، لا يرسل الكاذبين ، ولا ينبّئ الساحرين ، ولا يفلح عنده الظالمون ، وعاقبة الدار هى العاقبة المحمودة ؛ لقوله تعالى : (أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ جَنَّاتُ عَدْنٍ) (١). والمراد بالدار : الدنيا ، وعاقبتها : أن تختم للعبد بالرحمة والرضوان ، ويلقى الملائكة بالبشرى والغفران. ه.
(وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) ، قصد بنفي علمه بإله غيره نفي وجوده ، أي : مالكم إله غيرى. قاله ؛ تجبرا ومكابرة ، وإلا فهو مقر بالربوبية ؛ لقوله تعالى ؛ حاكيا عن موسى عليهالسلام : (لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ) (٢) ، وروى أنه كان إذا جن الليل ، لبس المسوح وتمرغ فى الرماد. وقال : يا رب إنى كذاب فلا تفضحنى (٣).
ثم أمر ببنيان الصرح زيادة فى الطغيان ، بقوله : (فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ) أي : اطبخ لى الآجر واتخذه. وإنما لم يقل مكان الطين : آجرّ ؛ لأنه أول من عمله ، فهو معلمه الصنعة بهذه العبارة ، (فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً) أي : قصرا عاليا ، (لَعَلِّي أَطَّلِعُ) أي : أصعد. فالطلوع والاطلاع : الصعود ، (إِلى إِلهِ مُوسى) ، حسب
__________________
(١) من الآية ٢٢ من سورة الرعد.
(٢) من الآية ١٠٢ من سورة الإسراء.
(٣) هذا رواية باطلة ، فأولا : لا سند لها ، فهى لا تصح ، وثانيا : لأنها تناقض سلوك فرعون (إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ) و (مِنَ الْمُفْسِدِينَ) وطبع الله على قلبه وانظر إلى السطر التالي من كلام الشيخ ابن عجيبة رحمهالله.