أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٩) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥٠))
قلت : (لو لا) الأولى : امتناعية ، وجوابها محذوف ، أي : ولو لا أنهم قائلون ؛ إذا عوقبوا على ما قدّموا من الشرك ، محتجين علينا : (هلا أرسلت إلينا رسولا ..) إلخ ؛ لما أرسلناك.
يقول الحق جل جلاله : (وَلَوْ لا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ) ، أي : عقوبة فى الدنيا والآخرة ، (بِما) ؛ بسبب ما (قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) من الكفر والظلم ، ولمّا كانت أكثر الأعمال إنما تناول بالأيدى ، نسب الأعمال إلى الأيدى ، وإن كانت من أعمال القلوب ؛ تغليبا للأكثر على الأقل ، (فَيَقُولُوا) عند نزول العذاب : (رَبَّنا لَوْ لا) ؛ هلا (أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً) ينذرنا (فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) ، فلو لا احتجاجهم بذلك علينا لما أرسلناك ، فسبب الإرسال هو قولهم : هلا أرسلت .. إلخ.
ولما كانت العقوبة سببا للقول جعلت العقوبة كأنها سبب الإرسال ، فدخلت «لو لا» الامتناعية عليها ، فرجع المعنى إلى قولك : ولو لا قولهم هذا ، إذا أصابتهم مصيبة ، لما أرسلناك.
(فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا) ؛ القرآن المعجز ، أو الرسول صلىاللهعليهوسلم ، (قالُوا) أي : كفار مكة ؛ اقتراحا وتعنتا : (لَوْ لا) : هلا (أُوتِيَ) من المعجزات (مِثْلَ ما أُوتِيَ) ؛ أعطى (مُوسى) من اليد والعصا ، ومن الكتاب المنزل جملة. قال تعالى : (أَوَلَمْ يَكْفُرُوا) أي : أبناء جنسهم ، ومن مذهبهم على مذهبهم ، وعنادهم مثل عنادهم ، وهم الكفرة فى زمن موسى عليهالسلام ، قد كفروا (بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ) ؛ من قبل القرآن ، (قالُوا) فى موسى وهارون : (سِحْرانِ) (١) (تَظاهَرا) : تعاونا ، أو : فى موسى ومحمد ـ عليهماالسلام ـ بإظهار تلك الخوارق ، أو بتوافق الكتابين. وقرأ الكوفيون : «سحران» ؛ بتقدير مضاف ، أي : ذوا سحر ، أو : جعلوهما سحرين ؛ مبالغة فى وصفهما بالسحر. (وَقالُوا) أي : كفرة موسى وكفرة محمد صلىاللهعليهوسلم : (إِنَّا بِكُلٍ) ؛ بكل واحد منهما (كافِرُونَ).
وقيل : إن أهل مكة ، لمّا كفروا بمحمد صلىاللهعليهوسلم وبالقرآن ؛ فقد كفروا بموسى وبالتوراة ، وقالوا فى محمد صلىاللهعليهوسلم وموسى : ساحران تظاهرا ، أو فى التوراة والقرآن : سحران تظاهرا ، أو : ذلك حين بعثوا الرهط إلى رؤساء اليهود
__________________
(١) قرأ عاصم وحمزة والكسائي : «سحران» ؛ بكسر السين وسكون الحاء ، بلا ألف ، وقرأ الباقون : «ساحران» ؛ بفتح السين وألف بعدها وكسر الحاء ... انظر : الإتحاف (٢ / ٣٤٤).