الإشارة : تفريق المواعظ فى الأيام ، شيئا فشيئا ، أبلغ وأنفع من سردها كلها فى يوم واحد. وفى الحديث : «كان صلىاللهعليهوسلم يتخوّلنا بالموعظة ، مخافة السآمة علينا» (١) ، والتخول : التعاهد شيئا فشيئا. والله تعالى أعلم.
ثم ذكر من آمن به وعرف قدره ، فقال :
(الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (٥٢) وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (٥٣) أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٥٤) وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ (٥٥))
قلت : (الذين) : مبتدأ ، (وهم به) : خبر.
يقول الحق جل جلاله : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ) ؛ من قبل القرآن (هُمْ بِهِ) أي : القرآن (يُؤْمِنُونَ) ، وهم مؤمنو أهل الكتاب ، أو : النجاشي وقومه ، أو : نصارى نجران ، الذين قدموا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم بمكة ، وهم عشرون رجلا ، فآمنوا به. قال ابن عطية : ذكر هؤلاء مباهيا بهم قريشا. ه. أي : فهم الذين يقدرون قدر هذا الكتاب المنزل ؛ لما معهم من العلم الذي ميزوا به الحق ، ولذلك قال : (وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا) ؛ لما عرفوا فى كتابهم من نعت النبي صلىاللهعليهوسلم وكتابه ، (إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ) ؛ من قبل القرآن ، أو : من قبل محمد صلىاللهعليهوسلم ، (مُسْلِمِينَ) ؛ كائنين على دين الإسلام ، مومنين بمحمد صلىاللهعليهوسلم. فقوله : (إِنَّهُ) : تعليل للإيمان به ؛ لأن كونه حقا من عند الله حقيق بأن يؤمن به. وقوله : (إِنَّا) : بيان لقوله : (آمَنَّا) ؛ لأنه يحتمل أن يكون إيمانا قريب العهد أو بعيده ، فأخبروه بأن إيمانهم به متقادم.
(أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا) ؛ بصبرهم على الإيمان بالتوراة ، والإيمان بالقرآن ، أو : بصبرهم على الإيمان بالقرآن ، قبل نزوله وبعده ، أو : بصبرهم على أذى المشركين وأهل الكتاب. وفى الحديث : «ثلاثة
__________________
(١) أخرجه البخاري فى (العلم ، باب ما كان النبي صلىاللهعليهوسلم يتخولهم بالموعظة .. ح ٦٨) ، ومسلم فى (صفات المنافقين ، باب الاقتصاد فى الموعظة ، ٤ / ٢١٧٢ ، ح ٢٨٢١) من حديث سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.