الكراهة ؛ وجب الانتهاء عن كل ما أدى إليها ؛ من قرع الباب بعنف ، والتصييح بصاحب الدار ، وغير ذلك. وعن أبى عبيد : «ما قرعت بابا على عالم قط». فالرجوع (هُوَ أَزْكى لَكُمْ) أي : أطيب لكم وأطهر ؛ لما فيه من سلامة الصدور والبعد عن الريبة ، والوقوف على الأبواب من دنس الدناءة والرذالة. (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) ؛ فيعلم ما تأتون وما تذرون مما كلفتموه ، فيجازيكم عليه. وهو وعيد للمخاطبين.
(لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) فى (أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ) أي : غير موضوعة لسكنى طائفة مخصوصة ، بل يتمتع بها من يضطر إليها ، من غير أن يتخذها مسكنا ؛ كالرّبط ، والخانات ، والحمامات ، وحوانيت التجار. (فِيها مَتاعٌ لَكُمْ) أي : منفعة ؛ كاستكنان من الحر والبرد ، وإيواء الرجال والسلع ، والشراء والبيع ، والاغتسال ، وغير ذلك ، فلا بأس بدخولها بغير استئذان. روى أن أبا بكر رضي الله عنه قال : يا رسول الله ، إن الله قد أنزل عليك آية فى الاستئذان ، وإنا لنختلف فى تجارتنا إلى هذه الخانات ، فلا ندخلها إلا بإذن؟ فنزلت (١). وقيل : هى الخرابات ، يتبرّز فيها ، ويقضون فيها حاجتهم من البول وغيره ، والظاهر : أنها من جملة ما ينتظم فى البيوت ، لا أنها المرادة فقط. (وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ) ، وعيد لمن يدخل مدخلا من هذه المداخل ؛ لفساد أو اطلاع على عورات. والله تعالى أعلم.
الإشارة : التصوف كله آداب ، حتى قال بعضهم : اجعل عملك ملحا وأدبك دقيقا. فيتأدبون بالسنّة فى حركاتهم وسكناتهم ، ودخولهم وخروجهم ، فهم أولى بالأدب ، فيستأذنون كما أمر الله عند دخول منزلهم ؛ برفع صوتهم بذكر الله ، أو بالتسبيح ، أو بالسلام قبل الدخول. وكذا عند دخول منزل غيرهم ، أو منزل بعضهم بعضا. وأما مع الشيخ : فالأدب هو الصبر حتى يخرج ، تأدبا بقوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ) (٢) ، فلا يقرعون بابه ، ولا يطلبون خروجه إلا لضرورة فادحة.
ولمّا كان الاستئذان إنما شرع من أجل النظر ، أمر بغض البصر ، فقال :
(قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (٣٠) وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ
__________________
(١) ذكره الواحدي فى أسباب النزول ، (ص ٣٣٤) ، ونسبه للمفسرين. وعزاه الآلوسى فى تفسيره (٩ / ١٣٧) لابن أبى حاتم عن مقاتل.
(٢) الآية ٥ من سورة الحجرات.