للمجلس : ناد ، إلا مادام فيه أهله ، (الْمُنْكَرَ) ؛ فعلهم الفاحشة بالرجال ، أو : المضارطة ، أو : السباب والفحش فى المزاح ، أو : الحذف بالحصى ، أو : مضغ العلك ، أو الفرقعة.
وعن أم هانئ ـ رضى الله عنها ـ أنها سألت النبي صلىاللهعليهوسلم عن قوله : (وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ)؟ فقال : «كانوا يحذفون من يمّر بهم الطريق ، ويسخرون منهم» (١). وقال معاوية : قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «إن قوم لوط كانوا يجلسون فى مجالسهم ، وعند كل رجل قصعة من الحصى ، فإذا مر بهم عابر قذفوه ، فأيهم أصابه ؛ كان أولى به» (٢).
(فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتِنا بِعَذابِ اللهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) فيما تعدنا من نزول العذاب ، أو فى دعوى النبوة ، المفهومة من التوبيخ ، (قالَ رَبِّ انْصُرْنِي) بإنزال العذاب (عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ) بابتداع الفاحشة وحمل الناس عليها ، وسنّها لمن بعدهم. وصفهم بذلك ؛ مبالغة فى استنزال العذاب ، وإشعارا بأنهم أحقاء بأن يعجل لهم العذاب.
(وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى) ، جاءت الملائكة بالبشارة لإبراهيم ؛ بالولد ، والنافلة إسحاق ، ويعقوب ، أي : مروا عليه ، حين كانوا قاصدين قوم لوط ، (قالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ) ؛ سدوم ، والإشارة بهذه القرية تشعر بأنها قريبة من موضع إبراهيم عليهالسلام ، قالوا : إنها كانت على مسيرة يوم وليلة من موضع إبراهيم ، قاله النسفي. (إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ) ، تعليل للإهلاك ، أي : إن الظلم قد استمر منهم فى الأيام السالفة ، وهم عليه مصرّون ، وهو كفرهم وأنواع معاصيهم. (قالَ) إبراهيم : (إِنَّ فِيها لُوطاً) أي : أتهلكونهم وفيهم من هو برىء من الظلم ، أو : وفيهم نبى بين أظهرهم؟ (قالُوا) أي : الملائكة : (نَحْنُ أَعْلَمُ) منك (بِمَنْ فِيها ، لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ) ؛ الباقين فى العذاب.
ثم أخبر عن مسير الملائكة إلى لوط بعد مفارقتهم إبراهيم ، فقال : (وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ) أي : ساءه مجيئهم وغمه ، مخافة أن يقصدهم قومه بسوء. و «أن» : صلة ؛ لتأكيد الفعلين ، وترتيب أحدهما على الآخر ، كأنهما وجدا فى جزء واحد من الزمان ، كأنه قيل : لمّا أحس بمجيئهم فاجأته المساءة من غير ترتيب. (وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً) أي : ضاق بشأنهم وتدبير أمرهم ذرعه وطاقته ، وقد جعلوا ضيق الذرع والذراع عبارة عن
__________________
(١) أخرجه أحمد فى المسند (٦ / ٣٤١) ، والترمذي وحسّنه فى (التفسير ، سورة العنكبوت ، ٥ / ٣١٩ ، ح ٣١٩٠) ، وصححه الحاكم (٢ / ٤٠٩) ، ووافقه الذهبي. وأخرجه الطبري (٢٠ / ١٤٥) ، والبغوي فى التفسير (٦ / ٢٣٩).
(٢) انظر تفسير البغوي (٦ / ٢٤٠).