الإشارة : الاستبصار فى أمور الدنيا ، والتحديق فى تدبير شؤونها ، حمق وبطالة (١) ، وقد وسم به الحق تعالى الكفرة بقوله : (وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ) ، والاستبصار فى أمور الله تعالى وما يقرب إليه وما يبعد عنه ، والفحص عن ذلك ، والتفكر فى عواقب الأمور ؛ من شأن العقلاء الأكياس ، قال صلىاللهعليهوسلم «ألا وإن من علامات العقل : التجافي عن دار الغرور ، والإنابة إلى دار الخلود ، والتزود لسكنى القبور ، والتأهب ليوم النشور» ، وقال أيضا صلىاللهعليهوسلم : «الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والأحمق من أتبع نفسه هواها ، وتمنّى على الله الأمانى» (٢) ، وقيل للجنيد رضي الله عنه : متى يكون الرجل موصوفا بالعقل؟ فقال : إذا كان للأمور متميزا ، ولها متصفحا ، وعما يوجبه عليه العقل باحثا ، فيتخير بذلك طلب الذي هو أولى ؛ ليعمل به ، ويؤثره على ما سواه. ثم قال : فمن كانت هذه صفته ترك العمل بما يفنى وينقضى ، وذلك صفة كل ما حوت عليه الدنيا ، وكذلك لا يرضى أن يشغل نفسه بقليل زائل ، ويسير حائل ، يصده التشاغل به ، والعمل له ، عن أمور الآخرة ، التي يدوم نعيمها ونفعها ، ويتأبد سرورها ، ويتصل بقاؤها .. إلخ كلامه.
وقد ضرب الله مثلا لمن ركن إلى غير الله ، فقال :
(مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٤١) إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٤٢) وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلاَّ الْعالِمُونَ (٤٣) خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (٤٤))
__________________
(١) الاستبصار فى أمور الدنيا فرض لازم للأمة .. ينبغى أن تتعاون الأمة لإقامته فى كل أمر من أمور الدنيا ، وشأن من شئونها ، وعلى العاقل ـ ما لم يكن مغلوبا على عقله ـ أن يكون بصيرا بزمانه ، مقبلا على شأنه.
(٢) أخرجه بنحوه الترمذي وحسّنه فى (صفة القيامة والرقائق ، باب ٢٥ ح ٢ / ١٤٢٣ ح ٤٢٦٠) ، وابن ماجة فى (الزهد ، باب ذكر الموت والاستعداد له ، ٢ / ١٤٢٣ ح ٤٢٦٠) من حديث شداد بن أوس.