وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا وَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٤٠))
يقول الحق جل جلاله : (وَعاداً وَثَمُودَ) أي : اذكر عادا وثمودا ، أو أهلكنا عادا ، وثمودا ، يدل عليه (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) ؛ لأنه فى معنى الإهلاك ، (وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ) ما وصفنا من إهلاكهم (مِنْ مَساكِنِهِمْ) الدارسة. أو تبين لكم بعض مساكنهم الخربة إذا مررتم بها خالية. (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) من الكفر والمعاصي ، (فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ) ؛ عن الطريق الذي أمروا بسلوكه ، وهو الإيمان بالله ورسوله. (وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ) ؛ متمكنين من النظر والاستبصار وتمييز الحق من الباطل ، ولكنهم لم يفعلوا. أو عارفين الحق من الباطل ؛ بظهور دلائله ، لكنهم عاندوا ، حسدا. يقال : استبصر : إذا عرف الشيء على حقيقته. أو : متيقنين أن العذاب لا حق بهم ؛ بإخبار الرسول ، لكنهم لجّوا. أو : مستبصرين فى ضلالتهم معجبين بها.
وقال الفراء : عقلاء ذوو بصائر ، يعنى : علماء فى أمور الدنيا ، كقوله : (يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا ...) (١) الآية. وقال مجاهد : حسبوا أنهم على الحق ، وهم على الباطل. ه.
(وَقارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ) ، أي : أهلكناهم ، (وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَما كانُوا سابِقِينَ) ؛ فائتين ، بل أدركهم أمر الله فلم يفوتوه. يقال : سبق طالبه : فاته ، (فَكُلًّا أَخَذْنا) ؛ عاقبناه (بِذَنْبِهِ) ، فيه رد على من يجوز العقوبة بغير ذنب. قاله النسفي ، وهو جائز عقلا فى حقه تعالى ، لكنه لم يقع ؛ لإظهار عدله. (فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً) أي : ريحا عاصفة فيها حصباء أو : ملكا رماهم بها.
قال ابن جزى : فيحتمل عندى أنه أراد به المعنيين ؛ لأن قوم لوط هلكوا بالحجارة ، وعادا هلكوا بالريح. وإن حملناه على المعنى الواحد ؛ نقض ذكر الآخر ، وقد أجاز كثير من الناس استعمال اللفظ الواحد ؛ فى معنيين ، ويقوى ذلك أن المقصود عموم أصناف الكفار. ه.
(وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ) ؛ كمدين وثمود ، (وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ) كقارون ، (وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا) ؛ كقوم نوح ، وفرعون وقومه ، (وَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ) فيعاقبهم بغير ذنب ؛ إذ ليس ذلك من عادته ـ عزوجل ـ ، وإن جاز فى حقه ، (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) ؛ بالتعرض للعذاب بالكفر والطغيان ، وبالله التوفيق.
__________________
(١) الآية ٧ من سورة الروم.