محذوف ، ينساق إليه الكلام ، أي : ليس الأمر مما يمكن الارتياب فيه ، بل هو آيات واضحات. و (فى صدور) : متعلق ببينات ، أو : خبر ثان لهو. (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا) الواضحة (إِلَّا الظَّالِمُونَ) ؛ المتوغلون فى الظلم. قال ابن عطية : الظالمون والمبطلون هم كل مكذب للنبى صلىاللهعليهوسلم ، ولكن عظم الإشارة بهما إلى قريش لأنهم الأهم. قاله مجاهد. ه.
الإشارة : كم من ولىّ يكون أميا ، وتجد عنده من العلوم والحكم والتوحيد ما لا يوجد عند نحارير العلماء. ما اتخذه الله وليا جاهلا إلا علّمه. ولقد سمعت من شيخنا البوزيدى رضي الله عنه علوما وأسرارا ، ما رأيتها فى كتاب ، وكان يتكلم فى تفسير آيات من كتاب الله على طريق أهل الإشارة ، قلّ أن تجدها عند غيره ، وسمعته يقول : والله ما جلست بين يدى عالم قط ، ولا قرأت شيئا من العلم الظاهر. قال القشيري : قلوب الخواص من العلماء بالله خزائن الغيب ، فيها أودع براهين حقه ، وبينات سرّه ، ودلائل توحيده ، وشواهد ربوبيته ، فقانون الحقائق فى قلوبهم ، وكلّ شىء يطلب من موطنه ومحله ، فالدر يطلب من الصدف ؛ لأنه مسكنه ، كذلك المعرفة ، ووصف الحق يطلب من قلوب خواصه (١) ؛ لأن ذلك قانون معرفته ، ومنها ترفع نسخة توحيده. ه.
ثم رد اقتراحهم للآيات ، فقال :
(وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥١) قُلْ كَفى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٥٢))
__________________
(١) إنما يرجع إلى وصف الله فى قلوب خواصه ، لأنهم عرفوا الله بالرجوع إلى وحيه ، (الكتاب والسنة) فلا طريق لمعرفة الله ، إلا ما أوحاه الله ، ابتداء ، وانتهاء.
ثم اعلم رحمك الله : أن معرفة القراءة والكتابة ليست شرطا فى الولاية ، وحفظ كلام الله تعالى ، ومعرفة أسرار التوحيد والإيمان ، ، والإسلام .. وهاك مثلا واحدا : وهو سيدنا «حماد بن مسلم الدباس» ، أستاذ الشيخ القدوة ، عارف زمانه ، الإمام عبد القادر الجيلاني ، وهو حماد بن مسلم بن ددّوه ، الشيخ القدم ، علم السالكين ، أبو عبد الله الدباس ، الرحبي ـ نسبة إلى رحبة مالك بن طوق ، «نشأ ببغداد ، وكان من أولياء الله ، أولى الكرامات ، انتفع بصحبته خلق ، وكان يتكلم على الأحوال ، وكتبوا من كلامه نحوا من مئة جزء ، وكان أميا ، وكان يتكلم على آفات الأعمال ، والإخلاص ، والورع ، قد جاهد نفسه بأنواع المجاهدات ، وزوال أكثر المهن والصنائع ، فى طلب الحلال ، وكان مكاشفا. فعنه قال : إذا أحب الله عبدا أكثر همه فيما فرّط ، وإذا أبغض عبدا أكثر همه فيما قسمه له. وقال : العلم محجة ، فإذا طلبته لغير الله ، صار حجة .. مات سنة ٥٢٥ ه. وكان الشيخ عبد القادر من تلامذته : «انظر : شمس الدين الذهبي : سير أعلام النبلاء : (١٩ / ٥٩٤ ـ ٥٩٦) تحقيق وتعليق : شعيب الأرنؤوط ، ط ١١ ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، ١٤١٧ ه ، ١٩٩٦ م. وراجع أيضا فى هذه القضية : الفتوحات الإلهية للشيخ المفسر / ٢٠١ ـ ٢٠٤.