يجاوز مفعولا واحدا. والوجه فى تعديته إلى ضمير المؤمنين وإلى الغرف : إما إجراؤه مجرى «لننزلنهم» ، أو : بحذف الجار ، وإيصال الفعل ، أو : شبه الظرف المؤقت ، بالمبهم ، أي : لنقيمنهم فى غرف (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) أجرهم هذا. وهم (الَّذِينَ صَبَرُوا) على مفارقة الأوطان وأذى المشركين ، وعلى المحن والمصائب ، ومشاق الطاعات ، وترك المحرمات ، (وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) ، أي : لم يتوكلوا فى جميع ذلك إلا على الله ، فكفاهم شأنهم. وبالله التوفيق.
الإشارة : كل من لم يتأتّ له جمع قلبه فى بلده ؛ فليهاجر منها إلى غيره ، وليسمع قول سيده : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ) ، فإن شق عليه مفارقة الأوطان ، فليذكر مفارقته للدنيا فى أقرب زمان. وكان الصدّيق رضي الله عنه لمّا هاجر إلى المدينة ، وأصابته الحمى ، يتسلى بذكر الموت ، وينشد :
كلّ امرئ مصبّح فى أهله |
|
والموت أدنى من شراك نعله |
وقد أكثر الناس فى الوعظ بالموت وهجومه ، نظما ونثرا ، فمن ذلك قول الشاعر :
الموت كأس ، وكلّ الناس شاربه |
|
والقبر باب ، وكلّ الناس داخله |
وقال آخر :
اعلم بأنّ سهام الموت قاطعة |
|
بكلّ مدّرع فيها ومتّرس |
ركوبك النعش ينسيك الرّكوب إلى |
|
ما كنت تركب من نعل ومن فرس |
ترجو النّجاة ، ولم تسلك طريقتها |
|
إنّ السّفينة لا تجرى على يبس |
إلى غير ذلك مما يطول.
ولما أمر بالهجرة ؛ خافوا العيلة ، فأنزل الله تعالى :
(وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦٠) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (٦١) اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٦٢) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (٦٣))