(كَذلِكَ) ، أي : مثل هذا التفصيل البديع ، (نُفَصِّلُ الْآياتِ) ؛ نبينها ؛ لأن التمثيل مما يكشف المعاني ويوضحها (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) ؛ يتدبرون فى ضرب الأمثال ، ويعرفون حكمها وأسرارها ، فلما لم ينزجروا أضرب عنهم ، فقال : (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا) أنفسهم بالشرك (أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) ، أي : تبعوا أهواءهم ، جاهلين ، ولو كان لهم علم ؛ لرجى أن يزجرهم ، (فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللهُ)؟ أي : لا هادى له قط ، (وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) يمنعونهم من العذاب ، أو : يحفظونهم من الضلالة ، أو : من الإقامة فيها.
الإشارة : ما قيل فى الشرك الجلى يجرى مثله فى الشرك الخفي ؛ فإن الحق تعالى غيور ، لا يحب العمل المشترك ، ولا القلب المشترك. العمل المشترك لا يقبله ، والقلب المشترك لا يقبل عليه ، وأنشدوا (١) :
لى محبوب إنما هو غيور
يطلّ فى القلب كطير حذور
ذا رأى شيئا امتنع أن يزور
فكما أنك لا ترضى من عبدك أن يحب غيرك ، ويخضع له ، كذلك الحق تعالى ؛ لا يرضى منك أن تميل لغيره. قال القشيري : قوله : (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ) : أشدّ الظلم متابعة الهوى ؛ لأنه قريب من الشّرك. قال الله تعالى : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) (٢) ، ومن اتّبع هواه ؛ خالف رضا مولاه ، فهو ، بوضع الشيء فى غير موضعه ، صار ظالما ، كما أن العاصي ، بوضع المعصية فى موضع الطاعة ، صار ظالما ، كذلك بمتابعة هواه ، بدلا عن موافقة ومتابعة رضا مولاه ، صار فى الظلم متماديا. ه.
ثم أمر بالتوحيد الخالص ، المقصود من ضرب المثل ، فقال :
(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٣٠) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٣١) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٣٢))
__________________
(١) وهو الششترى ، كما ذكر الشيخ المفسر فى إيقاظ الهمم / ٤٣٧.
(٢) من الآية ٢٣ من سورة الجاثية.