أعداؤهم بأعقابهم ، فلم يلبثوا إلا يسيرا حتى رقّيناهم فوق رقابهم ، وخرّبنا أوطانهم ، وهدّمنا بنيانهم ، وأخمدنا نيرانهم ، وعطّلنا عليهم ديارهم ، ومحونا ، بقهر التدمير ، آثارهم ، فظّلت شموسهم كاسفة ، ومكيدة قهرنا لهم ، بأجمعهم ، خاسفة. ه.
ثم برهن على ذلك ، فقال :
(اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (٤٨) وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (٤٩) فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٥٠))
يقول الحق جل جلاله : (اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ) الأربع. وقرأ المكي : بالإفراد. (فَتُثِيرُ) أي : تزعج (سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ) أي : يجعله منبسطا ، متصلا بعضه ببعض فى سمت السماء ، كقوله : (وَفَرْعُها فِي السَّماءِ) (١) ، أي : جهته. فيبسطها فى الجو (كَيْفَ يَشاءُ) ؛ سائرا أو واقفا ، مطبقا وغير مطبق ، من ناحية الشمال ، أو الجنوب ، أو الدّبور ، أو الصّبا ، (وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً) أي : قطعا متفرقة. والحاصل : أنه تارة يبسطه متصلا مطبقا ، وتارة يجعله قطعا متفرقة ، على مشيئته وحكمته. (فَتَرَى الْوَدْقَ) ؛ المطر (يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ) ؛ وسطه.
(فَإِذا أَصابَ بِهِ) ؛ بالودق (مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) ، يريد إصابة بلادهم وأراضيهم ، (إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) ؛ يفرحون بالخصب ، (وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ) المطر (مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ) ؛ آيسين ، وكرر «من قبله» ؛ للتوكيد ، وفائدته : الإعلام بسرعة تقلب قلوب الناس من القنوط إلى الاستبشار ، أو : على أن عهدهم بالمطر قد تطاول ؛ فاستحكم يأسهم ، فكان الاستبشار على قدر اغتمامهم بذلك.
(فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللهِ) أي : المطر (كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ) بالنبات وأنواع الثمار (بَعْدَ مَوْتِها) ؛ يبسها ، (إِنَّ ذلِكَ) أي : القادر عليه (لَمُحْيِ الْمَوْتى) ؛ فكما أحيا الأرض بعد يبسها ، يحيى الأجساد بعد رميمها ، (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ، وهذا من جملة مقدوراته تعالى.
__________________
(١) من الآية ٢٤ من سورة إبراهيم.