الإشارة : الله الذي يرسل رياح الواردات الإلهية ، فتنزعج سحاب الآثار عن عين الذات العلية ، فتبقى شمس العرفان ، ليس دونها سحاب ، فيبسطه فى سماء القلوب كيف يشاء ، فيقع الاحتجاب لبعضها ، ويصرفه عمن يشاء فيقع التجلي والظهور ، ويجعله كسفا لأهل الاستشراف ، فتارة ينجلى عنهم سحب الآثار ، فيشاهدون الأنوار ، وتارة تغطيهم سحب الآثار ، فيشاهدون الأغيار ، فترى مطر خمرة الفناء تخرج من خلاله ، فإذا أصاب به من يشاء من عباده ، إذا هم يستبشرون بأنوار معرفته وأسرار ذاته. وقد كانوا قبل ذلك مبلسين ، آيسين ؛ حين كانت نفوسهم غالبة عليهم. فانظر كيف أحيا أرض قلوبهم بعد موتها بالجهل والغفلة. وهذا مثال من كان منهمكا ثم سقط على شيخ ذى خمرة أزلية ، فسقاه حتى حيي بمعرفة الله.
قال القشيري : الله الذي يرسل رياح عطفه وجوده ، مبشرات بجوده ووصله ، ثم يمطر جود غيثه على أسرارهم ، ويطوى بساط الحشمة عن مناجاة قربه ، ويضرب قباب الهيبة بمشاهد كشفه ، وينشر عليهم أزهار أنسه ، ثم يتجلّى لهم بحقائق قدسه ، ويسقيهم بيده شراب حبّه. وبعد ما محاهم عن أوصافهم ؛ أصحاهم ، لا بهم ، ولكن بنفسه. والعبارات عن ذلك خرس ، والإشارات ، دونه ، طمس.
وقال فى قوله تعالى : (فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللهِ ..) الآية : يحيى الأرض بأزهارها وأنوارها عند مجىء أمطارها ، ليخرج زرعها وثمارها ، ويحيى النفوس بعد تفريقها ، ويوفقها للخيرات بعد فترتها ، فتعمر أوطان الوفاق بصدق إقدامهم ، وتندفع البلايا عن الأنام ببركات أيامهم ، وتحيى القلوب ، بعد غفلتها ، بأنواع المحاضرات ، فتعود إلى استدامة الذكر بحسن المراعاة ، ويهتدى بأنوار أهلها أهل العصر من أهل الإرادات ، ويحيى الأرواح بعد حجبتها بأنوار المشاهدات ، فتطلع شموسها من برج السعادة ، ويتصل ، بمشامّ أسرار الكافة نسيم ما يفيض عليهم من الزيادات ، فلا يبقى صاحب نفس إلا حظى منه بنصيب ، ويحيى الأسرار بأنوار المواجهات. وما كان لها إلا وقفة فى بعض الحالات ، فتنتفى ، بالكلية ، آثار الغيريّة ، ولا يبقى فى الديار ديّار ، ولا من سكانها آثار ، وسطوات الحقائق لا تثبت لها ذرّة من صفات الخلائق ؛ هنالك الولاية لله الحق .. انتهى المراد منه ، مع زيادة بيان.
ثم ذكر الجوائح ، وما ينشأ من أهل الغفلة عند ظهورها ، فقال :
(وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ (٥١) فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (٥٢) وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (٥٣))