قلت : اجتمع القسم والشرط ، فذكر جواب القسم وأغنى عن جواب الشرط. والضمير فى (رأوه) : يعود على النبات المفهوم مما تقدم من إحياء الأرض ، أو : على السحاب.
يقول الحق جل جلاله : (وَ) الله (لَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً) عاصفة على ما نبت فى الأرض من الزروع وسائر الأشجار ، الذي هو أثر رحمة الله ، (فَرَأَوْهُ) أي : ما نبت فى الأرض ، (مُصْفَرًّا) يابسا (لَظَلُّوا) أي : ليظلون (مِنْ بَعْدِهِ) أي : من بعد اصفراره (يَكْفُرُونَ) ، ويقولون : ما رأينا خيرا قط ، فينسون النعم السابقة بالنقم اللاحقة. وهذه صفة أهل الغفلة ، وأما أهل اليقظة ؛ فيشكرون فى أوقات النعم ، ويصبرون ويرضون فى أوقات النقم ، وينتظرون الفرح بعد الشدة ، واليسر بعد العسر ، غير [قانطين] (١) ولا ضجرين. أو : ولئن أرسلنا ريحا ؛ لتعذيبهم ، فرأوا سحابة صفراء ، لأنّ اصفراره علامة على أنه لا مطر فيه ، لظلوا ، أي : للجوا من بعد ذلك على كفرهم وطغيانهم ؛ لانهماكم.
قال البيضاوي : وهذه الآية ناعية على الكفار ، لقلة تثبتهم ، وعدم تدبرهم ، وسرعة تزلزلهم ؛ لعدم تفكرهم ، وسوء رأيهم ، فإن النظر السوي يقتضى أن يتوكلوا على الله ، ويلتجئوا إليه ؛ بالاستغفار ، إذا احتبس القطر عنهم ، ولا ييأسوا من رحمته ، وأن يبادروا إلى الشكر واستدامة الطاعة ، إذا أصابهم برحمته ، ولم يبطروا بالاستبشار ، وأن يصبروا على بلائه ؛ إذا ضرب زروعهم بالاصفرار ، ولم يكفروا نعمه. ه.
قال النسفي : ذمّهم الله تعالى بأنهم ، إذا حبس عنهم المطر ، قنطوا من رحمته ، وضربوا أذقانهم على صدورهم ، مبلسين ، فإذا أصابهم برحمته ، ورزقهم المطر ، استبشروا ، فإذا أرسل الله ريحا فضرب زروعهم بالصفار ضجّوا ، وكفروا بنعمه ، وهم فى جميع هذه الأحوال على صفة مذمومة ، وكان عليهم أن يتوكلوا على الله ، فقنطوا ، وأن يشكروا نعمته ويحمدوه عليها ، ففرحوا وبطروا ، وأن يصبروا على بلائه ، فكفروا. ه.
وهذه حال من مات قلبه ، قال تعالى : (فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى) أي : موتى القلوب ، وهؤلاء فى حكم الموتى ؛ فلا تطمع أن يقبلوا منك ، (وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ) أي : لا تقدر أن تسمع من كان كالأصم دعاءك إلى الله ، أو : لا يقدرون أن يسمعوا منك ، (إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) ، فإن قلت : الأصم لا يسمع ؛ مقبلا أو مدبرا ، فما فائدة التخصيص؟ قلت : هو إذا كان مقبلا يفهم بالرمز والإشارة ، فإذا ولّى فلا يفهم ، ولا يسمع ، فيتعذر إسماعه بالكلية. قاله النسفي.
__________________
(١) فى الأصول المخطوطة [قانتين] والمناسب ما أثبته.