مما يسلى عن روع الشيب ، ما أنشد القائل :
لا يروعك الشّيب يا بنت |
|
عبد الله ، فالشّيب حلة ووقار |
إنّما تحسن الرّياض إذا م |
|
ا ضحكت فى خلالها الأزهار |
ثم قال تعالى : (يَخْلُقُ ما يَشاءُ) ؛ من ضعف ، وقوة ، وشباب ، وشيبة ، (وَهُوَ الْعَلِيمُ) بأحوالهم ، (الْقَدِيرُ) على تدبيرهم ؛ فيصيرهم إلى ذلك. والترديد فى الأحوال أبين دليل على وجود الصانع العليم القدير. وفى «الضعف» : لغتان ؛ الفتح والضم (١). وهو أقوى سندا فى القراءة ، كما روى ابن عمر. قال : قرأتها على رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من ضعف» ، فأقرأنى : «من ضعف» (٢).
الإشارة : إذا كثف الحجاب على الروح ، وكثرت همومها ، أسرع لها الضعف والهرم ، وإذا رقّ حجابها ، وقلّت همومها ؛ قويت ونشطت بعد هرمها ، ولا شك أن توالى الهموم والأحزان يهرم ، وتوالى البسط والفرح ينشط ، ويرد الشباب فى غير إبّانه ، والعارفون : فرحهم بالله دائم ، وبسطهم لازم ؛ إذ لا تنزل بساحتهم الهموم والأحزان ، وإنما تنزل بمن فقد الشهود والعيان ؛ كما قال فى الحكم.
قال القشيري (٣) : (خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ) ، أي : ضعف عن حال الخاصة ، ثم جعل من بعد ضعف قوة ؛ بالوصول إلى شهود الوجود القديم ، ثم من بعد قوة ضعفا ؛ بالرجوع إلى المسكنة ، أي : فى حال البقاء ، قال صلىاللهعليهوسلم : «اللهم أحينى مسكينا ، وأمتنى مسكينا ، واحشرني فى زمرة المساكين» (٤) ه (٥).
ثم ذكر أهوال البعث ، فقال :
(وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ (٥٥) وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ
__________________
(١) قرأ حفص : بالفتح ، عن عاصم. وقرأ الباقون : بضمها ، وهو الذي اختاره حفص ، لحديث ابن عمر. وعن حفص أنه قال : (ما خالفت عاصما إلا فى هذا الحرف). وقد صح عنه الفتح والضم. وقال فى النشر : وبالوجهين قرأت له ، وبهما آخذ. انظر الإتحاف (٢ / ٣٥٩).
(٢) أخرجه أحمد (٢ / ٥٨ ـ ٥٩) ، وأبو داود فى كتاب (الحروف والقراءات ، باب ١ ، ٤ / ٢٨٣ ، ح ٣٩٧٨) ، والترمذي فى (القراءات ـ سورة الروم ، ٥ / ١٧٤ ، ح ٢٩٣٦) وحسنّه من حديث ابن عمر رضي الله عنه.
(٣) النقل بالمعنى.
(٤) سبق تخريحه.
(٥) المسكين هو المتواضع لله باطنا وظاهرا ، والخاضع له ، الساكن لأمره ، المطمئن بربه ، وهو المخبت الخاشع لله ، وهذا حال قوة الإيمان ، فاللهم اجعلنا مساكين لك ، أعزة على عدوك.