الْبَعْثِ وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٥٦) فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (٥٧))
قلت : «لبثوا» : جواب القسم ؛ على المعنى ، وإلا لقيل : ما لبثنا.
يقول الحق جل جلاله : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ) ، أي : القيامة. وسميت بذلك ؛ لأنها تقوم آخر ساعة من ساعات الدنيا ، ولأنها تقوم فى ساعة واحدة ، وصارت علما لها بالغلبة ، كالنجم للثريا ، فإذا قامت (يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ) ؛ يحلف الكافرون : (ما لَبِثُوا) فى قبورهم ، أو : فى الدنيا ، (غَيْرَ ساعَةٍ) ، استقلّوا مدّة لبثهم فى القبور ، أو : الدنيا ، لشدة هول المطلع ، أو : لطول مقامهم فى أهوالها ، أو : ينسون ما لبثوا ، أو : يكذبون. (كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ) ، أي : مثل ذلك الصرف كانوا يصرفون فى الدنيا عن الصدق والتصديق ، أو : عن الحق حتى يروا الأشياء على غير ما هى عليه ، ويقولون : ما هى إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين.
(وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ) ، أي : حّصلّوا العلم بالله والإيمان بالبعث ، وهم الملائكة والأنبياء ، والمؤمنون : (لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ) ؛ فى علم الله المثبت فى اللوح ، أو : فى حكم الله وقضائه ، أو : القرآن ، وهو قوله تعالى : «ومن ورائهم برزخ ..» إلخ ، أي : لقد مكثتم مدّة البرزخ (إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ) ، ردّوا عليهم ما قالوه ، وحلّفوهم عليه ، وأطلعوهم على حقيقة الأمر ، ثم وبّخوهم على إنكار البعث بقولهم : (فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ) الذي كنتم تنكرونه ، (وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) فى الدنيا أنه حق ؛ لتفريطكم فى طلب الحق ، واتباعه. والفاء جواب شرط (١) مقدر ، ينساق إليه الكلام ، أي : إن كنتم منكرين للبعث ؛ فهذا يومه.
(فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ) (٢) (الَّذِينَ ظَلَمُوا) كفروا ، (مَعْذِرَتُهُمْ) : اعتذارهم ، والمعذرة : تأنيثها مجازى ، فيجوز التذكير والتأنيث ، (وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) أي : لا يقال لهم : أرضوا ربّكم بالتوبة ، ولا يدعون إلى استرضائه ، يقال : استعتبني فلان فأعتبته ، أي : استرضانى فأرضيته.
الإشارة : كل من قصر فى هذه الدار ، وصرف أيام عمره فى البطالة ، يقصر عليه الزمان عند موته ، ويرجع عنده كأنه يوم واحد ، فحينئذ يستعتب ؛ فلا يعتب ، ويطلب الرجعى ؛ فلا يجاب ، فلا تسأل عن حسرته وخسارته ، والعياذ بالله ، وهذا كله مبين فى القرآن ، كما قال تعالى :
__________________
(١) الفاء ، بذاتها ، ليست جواب شرط مقدر ، وإنما هى واقعة فى جواب شرط مقدر.
(٢) قرأ عاصم وحمزة والكسائي : «ينفع» ؛ بالياء. والباقون : بالتاء .. انظر : الإتحاف (٢ / ٣٠٦)