(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (٨) خالِدِينَ فِيها وَعْدَ اللهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٩))
يقول الحق جل جلاله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ) ، قيل : معكوس ، أي : لهم نعيم الجنات ، أو : لهم بساتين ، أو : ديار النعيم. (خالِدِينَ فِيها) : حال من ضمير «لهم». والعامل : الاستقرار. (وَعْدَ اللهِ حَقًّا) أي : وعدهم ذلك وعدا ، وثبت لهم حقا مهما ، مصدران مؤكدان ، الأول لنفسه ، والثاني لغيره ، إذ قوله : (لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ) ؛ فى معنى : وعدهم الله جنات النعيم. و (حَقًّا) : يدل على معنى الثبات المفهوم من انجاز الوعد. (وَهُوَ الْعَزِيزُ) الغالب ، الذي لا يعارض فى حكمه ، فينفذ وعده لا محالة. (الْحَكِيمُ) الذي لا يفعل إلا ما استدعته حكمته.
الإشارة : إن الذين آمنوا فى البواطن ، وحققوا ذلك بالعمل الصالح فى الظواهر ، لهم جنات المعارف معجلة ، وجنات الزخارف مؤجلة ، وعدا حقا وقولا صدقا ، فما كمن فى السرائر ظهر فى شهادة الظواهر ، وإلا كان دعوى ونفاقا ، والعياذ بالله.
ثم ذكر شواهد قدرته على إنجاز وعده ، فقال :
(خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (١٠) هذا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (١١))
قلت : «بغير عمد» : يتعلق بحال محذوفه ، أي : ممسكة أو مرفوعة بغير عمد ، و (عمد) : اسم جمع على المشهور ، وقيل : جمع عماد أو عامد. وجملة (ترونها) : إما استئنافية ، لا محل لها ، أو صفة لعمد.
يقول الحق جل جلاله : (خَلَقَ السَّماواتِ) ورفعها (بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها) ، الضمير : إما للسموات ، أي : خلقها ، ظاهرة ، ترونها ، أو لعمد ، أي : بغير عمد مرئية ، بل بعمد خفية ، وهى إمساكها بقدرته تعالى. (وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ) أي : جبالا ثوابت ، كراهة (أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) أي : لئلا تضطرب بكم ، (وَبَثَ) : نشر (فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ ، وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ) ؛ صنف من أصناف النبات ،