واتبع سبيل من أناب إلىّ ، هو شيخ التربية فى علم الإشارة. وقد تقدم قول الجنيد : أمرنى أبى بشىء ، وأمرنى السّرى بشىء ، فقدمت أمر السّرى ، فرأيت سرا كبيرا. وكان شيخ شيوخنا الولي الشهير ، سيدى يوسف الفاسى ، يأتيه شاب من أولاد كبراء فاس ، وكان أبوه ينهاه ويزجره عن صحبته ، وربما بلغ لمجلس الشيخ فيؤذيه ، فكان الشيخ يقول للشاب : أطع أباك فى كل شىء إلا فى الإتيان إلينا. ه. وكان بعض المشايخ يقول : ائتوني ولو بسخط الوالدين ؛ إذ لا يضره ذلك ، حيث قصد إصلاح نفسه ودواءها.
وقال الشيخ السنوسى ، فى شرح عقائد الجزائرى ، ما نصه : وحاصل الأمر فى النفس : أنها شبيهة ، فى حالها ، بحال الكافر الحربىّ ، الذي يريد أن تكون كلمة الكفر هى العليا ، وكلمة التوحيد السفلى ، وكذلك النفس ؛ تريد أن تكون كلمة باطلها من الدعاوى للحظوظ العاجلة ، المشغلة عن إخلاص العبودية لمولانا جل وعلا ، وعن القيام بوظائف تكاليفه ، على الوجه الذي أمر به ، هى العليا ، النافذ أمرها ونهيها فى مدن الأجسام وما تعلق بها ، بعد أن نزلت ساحة الأبدان ، واتصلت اتصالا عظيما لا انفكاك له إلا بالموت ، فوجب ، لذلك ، على كل مؤمن يعظّم حرمات الله تعالى أن ينهض كل النهوض ، بغاية قواه العلمية والعملية ، لجهادها وقتالها. وفى مثل هذا القتال الذي نزل العدو فيه بساحة الأبدان ، وهو فرض عين على كل مؤمن ، يسقط فيه استئذان الأبوين وغيرهما. ه. فأنت ترى كيف جعل قيام النفس على العبد ، وحجابها له عن ربه ، كعدو يجب جهاده ولو خالف الوالدين ، وهو كذلك ؛ إذ طاعة الوالدين لا تكون فى ترك فرض ، ولا فى ارتكاب معصية ، ومن جملة المعاصي ، عند الخواص ، رؤية النفس والوقوف معها ، وفى ذلك يقول الشاعر :
فقلت : وما ذنبى؟ فقالت ؛ مجيبة |
|
: وجودك ذنب لا يقاس به ذنب |
وتطهير النفس فرض عين ، ولا طاعة للوالدين فى فرض العين. وقوله تعالى : (وصاحبهما فى الدنيا معروفا) قال الورتجبي : المعروف ، هاهنا ، أن تعرفهما مكان الخطأ والغلط فى الدين عند جهالتهما بالله. (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَ) ، نهاه عن متابعة المخلّطين ، وحثه على متابعة المنيبين. ه. وبالله التوفيق.
ثم قال لقمان فى وصيته :
(يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (١٦) يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (١٧) وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (١٨) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (١٩))