الولد على بر والديه ، فيتذكر مرقده فى بطن أمه ، وتعبها معه فى مدة حملة ، ثم ما قاست من وجع الطلق عند خروجه ، ثم ما عالجته فى أيام رضاعه ؛ من تربيته ، وغسل ثيابه ، وسهر الليل فى بكائه ، إلى غير ذلك.
(أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ) ، هو تفسير لوصّينا ، أو على حذف الجار ، أي : وصيناه بشكرنا وبشكر والديه. وقوله : (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ ..) إلخ : اعتراض بين المفسّر والمفسّر ؛ لأنه ، لمّا وصى بالوالدين ، ذكر ما تكابده وتعاينه من المشاق فى حمله وفصاله ، هذه المدة الطويلة ؛ تذكيرا لحقها ، مفردا.
وعن ابن عيينة : من صلى الصلوات الخمس فقد شكر الله ، ومن دعا للوالدين ، فى أدبار الصلوات الخمس ، فقد شكرهما. ه. وقال القشيري : والإجماع على أن شكر الوالدين بدوام طاعتهما. ثم قال : فشكر الحقّ بالتعظيم والتكبير ، وشكر الوالدين بالإشفاق والتوقير. ه.
ثم قال تعالى : (إِلَيَّ الْمَصِيرُ) فأحاسبك على شكرك ، أو كفرك. (وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) ، أراد بنفي العلم به نفيه من أصله ، أي : أن تشرك بي ما ليس بشىء ، أو : ما ليس لك به علم باستحقاقه الإشراك مع الله ، بل تقليدا لهما ، (فَلا تُطِعْهُما) فى ذلك الشرك. (وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً) أي : صحابا معروفا يرتضيه الشرع ويقتضيه الكرم ، وهو الخلق الجميل ، بحلم ، واحتفال ، وبر ، وصلة. وقد تقدم تفسيره فى الإسراء (١).
(وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَ) أي : اتبع طريق من رجع إلىّ بالتوحيد والإخلاص ، وهو الرسول صلىاللهعليهوسلم والمؤمنون ، ولا تتبع سبيلهما ، وإن كنت مأمورا بحسن مصاحبتهما فى الدنيا. وقال ابن عطاء : اتبع سبيل من ترى عليه أنوار خدمتى. ه. (ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ) أي : مرجعك ومرجعهما ، (فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ؛ فأجازيك على إيمانك وبرّك ، وأجازيهما على كفرهما. واعترض بهاتين الآيتين ، على سبيل الاستطراد ؛ تأكيدا لما فى وصية لقمان من النهى عن الشرك ، يعنى : إنما وصيناه بوالديه ، وأمرناه ألا يطيعهما فى الشرك ، وإن جاهدا كل الجهد ؛ لقبح الشرك.
وتقدم أن الآية نزلت فى سعد بن أبى وقاص ، وأنه مضت لأمه ثلاث ليال لم تطعم فيها شيئا ، فشكى لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فنزلت (٢) ، وقيل : من أناب : أبو بكر ؛ لأن سعدا أسلم بدعوته (٣). والله تعالى أعلم.
الإشارة : بر الوالدين واجب ، لا سيما فى حق الخصوص ، فيطيعهما فى كل شىء ، إلا إذا منعاه من صحبة شيح التربية ، الذي يطهر من الشرك الخفي ، الذي لا ينجو منه أحد ، فإن الآية تشمله بطريق العموم والإشارة ، أي : وإن جاهداك على أن تشرك بي متابعة هواك وحظوظك ومحبتهن ، فلا تطعهما ، وصاحبهما فى الدنيا معروفا ،
__________________
(١) راجع تفسير الآيتين : ٢٣ ـ ٢٤ من سورة الإسراء.
(٢) راجع تفسير الآية (٨) من سورة العنكبوت مع حاشية التحقيق.
(٣) انظر سيرة ابن هشام (١ / ٢٥٠ ـ ٢٥٢) وأسباب النزول للواحدى (ص ٣٥٨). وتفسير البغوي (٦ / ٢٨٨).