فعله ، إلينا إيابهم ، وعلينا حسابهم ، فسنمتّعهم بحظوظهم ، والوقوف مع عوائدهم ، زمانا قليلا ، ثم نضطرهم إلى غم الحجاب وسوء الحساب. والعياذ بالله.
ثم برهن على توحيد من يجب الاستسلام له ، فقال :
(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٢٥) لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٢٦))
يقول الحق جل جلاله : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ) ؛ لوضوح الدليل المانع من إسناد الخلق إلى غيره ، فيضطرون إلى الإقرار بذلك ، (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) على إلزامهم وإلجائهم إلى الاعتراف بما يوجب بطلان معتقدهم من شرك الأصنام ، (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) أن ذلك يلزمهم إذا نبهوا عليه ، ولم ينتبهوا ، فالإضراب عن كلام محذوف ، أي : فيجب عليهم أن يعبدوا الله وحده ، لمّا اعترفوا ، ولكنهم لا يعلمون ، (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ملكا وعبيدا ، (إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) ، أي : الغنى عن حمد الحامدين ، المستحق للحمد وإن لم يحمدوه.
الإشارة : قد اتفقت الملل على وجود الصانع. ثم وقفت العقول فى مقام الحيرة والاستدلال ، وامتدت الأرواح والأسرار بأعناقها إلى معرفة الذات وشهودها ، فمن وجدت عارفا كاملا سلك بها الطريق ، حتى أوقعها على عين التحقيق ، فأشرفت على البحر الزاخر ، فغرقت فى بحر الذات وتيار الصفات ، ثم رجعت إلى بر الشريعة لتدل غيرها على الوصول. وقل الحمد لله أن وجدت من يعرفك بالله ، وأكثر الخلق حائدون عن العلم بالله.
ثم إن العلم بالله وبصفاته وأسمائه لا نهاية له ، كما قال تعالى :
(وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٧) ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٢٨))
قلت : (ولو أنما فى الأرض) : مذهب الكوفيين وجماعة : أن ما بعد «لو» : فاعل بفعل محذوف ، أي : ولو ثبت كون ما فى الأرض .. إلخ. ومذهب سيبويه : أنه مبتدأ ، أي : ولو كون ما فى الأرض واقع ، و (البحر) : مبتدأ ، و (يمده) : خبره ، أي : يمد ما ذكر من الأقلام. و (من بعده سبعة أبحر) : مبتدأ وخبر. وحذف التمييز ، أي : (مدادا) ،