يدل عليه (يمده) ، أو (سبعة) : فاعل (يمده) ، أي : يصب فيه سبعة أبحر ، والجملة : حال ، أي : ولو أن الأشجار أقلام ، فى حال كون البحر ممدودا ، ما نفدت .. إلخ. وجملة (يمده) : خبر (البحر). ومن قرأ بالنصب فعطف على اسم «إن» ، وهو (ما).
يقول الحق جل جلاله : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ) من الأشجار (أَقْلامٌ) ، والبحر يمد تلك الأقلام ، يصب فى ذلك البحر (سَبْعَةُ أَبْحُرٍ) ، وتلك الأقلام كلها تكتب كلمات الله الدالة على عظمته وكمالاته ، (ما نَفِدَتْ) كلماته ، ونفدت الأقلام ، وجفت تلك الأبحر ، وهذا كقوله : (قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي) (١) مع زيادة المبالغة بذكر السبعة أبحر ، يقال : مد الدواة وأمدها : جعل فيها مدادا ، فجعل البحر الأعظم بمنزلة الدواة ، والأبحر السبعة مدادها ، وفروع الأشجار كلها أقلام تكتب كلماته تعالى ، فلو قدر ذلك لتكسرت الأقلام وجفت الأبحر ، قبل أن تنفد كلماته تعالى ؛ لأنها تابعة لعلمه ، وعلمه لا نهاية له.
وإنما وحّد الشجرة ؛ لأن المراد تفصيل الشجر وتقصيها ؛ شجرة شجرة ، حتى ما يبقى من جنس الشجر ، ولا واحدة إلا وقد بريت أقلاما. وأوثر الكلمات ، وهى من حيز جمع القلة ، على الكلم ، الذي هو جمع الكثرة ؛ لأن المعنى : أن كلماته لا يفى بها الأقلام ؛ فكيف بكلامه الكثير؟
(إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ) لا يعجزه شىء ، (حَكِيمٌ) لا يخرج عن علمه وحكمته شىء ، فلا تنفد كلماته وحكمته. والآية جواب اليهود ، سألوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، إن قلنا : الآية مدنية ، أو : أمروا وفد قريش أن يسألوه عن قوله : (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) (٢) ، فقالوا : هل عنيتنا أم قومك؟ فقال صلىاللهعليهوسلم : «كلّا قد عنيت» ، فقالوا : أليس فيما قد أوتيت أنّا قد أوتينا التوراة ، فيها علم كل شىء؟ فقال صلىاللهعليهوسلم : «هى فى علم الله قليل» ، فأنزل الله : (وَلَوْ أَنَّ ما ...) إلخ (٣).
ولما ذكر شأن كلامه وعلمه ؛ ذكر شأن قدرته ، فقال : (ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ) ، أي : إلا كخلق نفس واحدة ، وبعث نفس واحدة. فحذف ، للعلم به ، أي : القليل والكثير فى قدرة الله تعالى سواء ، فلا يشغله شأن عن شأن ، وقدرته عامة التعلق ، تنفذ أسرع من لمح البصر. قال الغزالي فى الإحياء : ومن غريب حكم الآخرة أن الرجل يدعى به إلى الله تعالى ، فيحاسب ويوبخ ، وتوزن له حسناته وسيئاته ، وهو فى ذلك كله يظن أن الله لم
__________________
(١) الآية ١٠٩ من سورة الكهف.
(٢) الآية ٨٥ من سورة الإسراء.
(٣) أخرجه الطبري فى التفسير (٢١ / ٨١) عن ابن عباس. وذكره الواحدي فى أسباب النزول (ص ٣٥٨) بدون إسناد.