يحاسب إلا هو ، ولعل آلاف آلاف ألف مثله فى لحظة واحدة. وكل منهم يظن ظنه ، لا يرى بعضهم بعضا ، ولا يسمعه ، وهو قوله تعالى : (ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ). ه.
(إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) لقول من ينكر البعث من المشركين ، (بَصِيرٌ) بأعمالهم ، فيجازيهم.
الإشارة : أوصاف الباري سبحانه كلها كاملة ، غير محصورة ولا متناهية ؛ من علم ، وقدرة ، وإرادة ، وكلام ، وغيرها. وأوصاف العبد كلها قصيرة متناهية ، وقد يمد الحقّ عبده بصفة من صفاته التي لا تتناهى (١) ، فإذا أمده بصفة الكلام تكلم بكلام تعجز عنه العقول ، لا يقدر على إمساكه ، فلو بقي يتكلم عمره كله ما نفد كلامه ، حتى يسكته الحق تعالى. وقد كان بعض السادات يقول لأصحابه ، حين يتكلم عليهم : إنى لأستفيد من نفسى كما تستفيدون أنتم منى ، وذلك حين الفيض الإلهى. وإذا أمده بصفة القدرة ، قدر على كل شىء ، وإذا أمده بصفة السمع ؛ سمع كل شىء ، وإذا أمده بصفة البصر ، أبصر كل موجود .. وهكذا. وهذه الأوصاف كامنة فى العبد من حيث معناه ، احتجبت بظهور أضدادها ؛ صونا لسّر الربوبية. والله تعالى أعلم.
ثم برهن على كمال أوصافه ، فقال :
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٩) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٣٠) أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٣١) وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (٣٢))
يقول الحق جل جلاله : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ) ؛ يدخل ظلمة الليل فى ضوء النهار ، إذا أقبل الليل ، (وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) ؛ يدخل ضوء النهار فى ظلمة الليل ، إذا أقبل النهار. أو : بإدخال جزء
__________________
(١) أي : يمد الله عبده المخلص ببعض أنوار صفة من صفاته ، فقد يمده بنور من صفة العلم ، أو بنور من صفة القدرة ، أو بنور من صفة العزة ، أو بنور من صفة الكلام .. إلخ. أما أن يمده بصفة لا متناهية من صفاته اللامتناهية .. فهو أمر غير منصور ، فالرب رب ، والعبد عبد ، والله ليس كمثله شىء.