أحدهما فى الآخر ؛ بزيادة الليل أو النهار. (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) لمنافع العباد ، (كُلٌ) ، أي : كل واحد من الشمس والقمر (يَجْرِي) فى فلكه ، ويقطعه ، (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) ؛ إلى يوم القيامة ، أو : إلى وقت معلوم للشمس ، وهو تمام السنة ، والقمر إلى آخر الشهر. (وَأَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) ؛ عالم بكنهه ، لا يخفى عليه شىء. فدل ، بتعاقب الليل والنهار ، أو بزيادتهما ونقصانهما ، وجري النيرين فى فلكهما ، على تقدير وحساب معلوم ، وبإحاطته بجميع أعمال الخلق ، على عظيم قدرته ، وكمال علمه وحكمته.
(ذلِكَ) شاهد (بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُ) ، وما سواه باطل ، (وَأَنَّ ما يَدْعُونَ) (١) (مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ) ؛ المعدوم فى حد ذاته ، لا حقيقة لوجوده. أو : ذلك الذي وصف بما وصف به ، من عجائب قدرته وباهر حكمته ، التي يعجز عنها الأحياء القادرون العالمون ، فكيف بالجماد الذي يدعونه من دون الله؟ إنما هو بسبب أنه الحق الثابت الإلهية ، وأن من دونه باطل ألوهيته ، (وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) ، أي : العلى الشأن ، الكبير السلطان.
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ) ؛ السفن (تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللهِ) ؛ بإحسانه ورحمته ، أو : بالريح ، لأن الريح من نعم الله. أو : ما تحمله السفن من الطعام والأرزاق والمتاع ، فالباء ، حينئذ ، للأرزاق ، وهو استشهاد آخر على باهر قدرته ، وكمال حكمته ، وشمول إنعامه. (لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ) ؛ من عجائب قدرته فى البحر إذا ركبتموه ، (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ) دالة على وحدانيته وكمال صفاته ؛ (لِكُلِّ صَبَّارٍ) فى بلائه ، (شَكُورٍ) لنعمائه. وهما من صفة المؤمن. فالإيمان نصفان ؛ نصف شكر ونصف صبر ، فلا يعتبر بعجائب قدرته إلا من كان هكذا.
(وَإِذا غَشِيَهُمْ) ، أي : الكفار ، أي : علاهم وغطاهم (مَوْجٌ كَالظُّلَلِ) ، أي : كشىء يظل ؛ من جبل ، أو سحاب ، أو غيرهما ، فالموج الكبير يرتفع فيعود كالظلل ؛ جمع ظلة ، وهو ما أظلك من جبل أو سقف. فإذا غشيهم ذلك ؛ (دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) ، لا يدعون معه غيره ، لزوال ما ينازع الفطرة بالقهرية. (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) ؛ مقيم على الطريق القصد ، باق على الإيمان ، الذي هو التوحيد ، الذي كان منه فى حال الشدة ، لم يعد إلى الكفر ، أو : متوسط فى الظلم والكفر ، انزجر بعض الانزجار. ، ولم يغل فى الكفر والعدوان. أو : مقتصد فى الإخلاص الذي كان عليه فى البحر ، يعنى : أن ذلك الإخلاص الحادث عند الخوف لا يبقى لأحد قط ، إلا النادر ، (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا) أي : بحقيقتها (إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ) ؛ غدّار. والختر : أقبح الغدر ، (كَفُورٍ) لنعم ربه. وهذه الكلمات متقابلة ؛ لفظا ومعنى ، فختّار : مقابل صبّار ، وكفور : مقابل شكور ؛ لأن من غدر لم يصبر ، ومن كفر لم يشكر. والله تعالى أعلم.
__________________
(١) قرأ أبو عمرو وحفص والكسائي ويعقوب : «ما يدعون» ؛ بالغيب .. انظر : الإتحاف (٢ / ٣٦٤).