الإشارة : ألم تر أن الله يولج ليل القبض فى نهار البسط ، ونهار البسط فى ليل القبض ، فهما يتعاقبان على العبد تعاقب الليل والنهار ، فإذا تأدب مع كل واحد منهما ؛ زاد بهما معا ، وإلا نقص بهما ، أو بأحدهما. فآداب القبض : الصبر ، والرضا ، والسكون تحت مجارى الأقدار. وآداب البسط : الحمد ، والشكر ، والإمساك عن الفضول فى كل شىء. وسخّر شمس العيان وقمر الإيمان ، كلّ يجرى إلى أجل مسمى ؛ فقمر الإيمان يجرى إلى طلوع شمس العرفان ، وشمس العرفان إلى ما لا نهاية له من الأزمان. ذلك بأن الله هو الحق ، وما سواه باطل. فإذا جاء الحق ، بطلوع شمس العيان ، زهق الباطل ، إن الباطل كان زهوقا. وإنما أثبته الوهم والجهل. ألم تر أن سفن الأفكار تجرى فى بحار التوحيد ، لترى عجائب الأنوار وغرائب الأسرار ، من أنوار الملكوت وأسرار الجبروت؟ إن فى ذلك لآيات لكل صبّار على مجاهدة النفس ، شكور على نعمة الظّفر بحضرة القدّوس.
وإذا غشيهم ، فى حال استشرافهم على بحر الحقيقة ، موج من أنوار ملكوته ، فكادت تدهشهم ، تضرعوا والتجئوا إلى سفينة الشريعة ، حتى يتمكنوا ، فلما نجاهم إلى بر الشريعة ، فمنهم مقتصد ؛ معتدل بين جذب وسلوك ، بين حقيقة وشريعة ، ومنهم : غالب عليه السكر والجذب ، ومنهم : غالب عليه الصحو والسلوك. وكلهم أولياء الله ، ما ينكرهم ويجحدهم إلا كل ختّار جاحد. قال القشيري : (وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ) ؛ إذا تلاطمت عليهم أمواج بحار التقدير ؛ تمنوا أن تلفظهم تلك البحار إلى سواحل السلامة ، فإذا جاء الحقّ بتحقيق مناهم عادوا إلى رأس خطاياهم.
فكم قد جهلتم ، ثم عدنا بحلمنا ، |
|
أحبّاءنا : كم تجهلون ونحلم! |
ثم ختم بالوعظ والتذكير ، فقال :
(يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ (٣٣) إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (٣٤))
قلت : (بأى أرض) ؛ قال فى المصباح : الأفصح : استعمال «أي» فى الشرط والاستفهام بلفظ واحد ، للمذكر والمؤنث ، وعليه قوله تعالى : (فَأَيَّ آياتِ اللهِ تُنْكِرُونَ) (١) ، وقد تطابق فى التذكير والتأنيث ، نحو : أي رجل ، وأي وأية امرأة. وفى الشاذ : بأية أرض تموت. ه.
__________________
(١) من الآية ٨١ من سورة غافر.