واختلف : هل يجبر السيد عبده عليها ، أم لا؟ قولان في المذهب. ونزلت الآية بسبب حويطب بن عبد العزّى ، سأل مولاه أن يكاتبه ، فأبى عليه (١). وحكمها عام ، فأمر الله سادات العبيد أن يكاتبوهم إذا طلبوا الكتابة. والكتابة : أن يقول لمملوكه : كاتبتك على كذا ، فإن أدى ذلك عتق ، ومعناه : كتبت لك على نفسى أن تعتق مني إذا وفّيت المال ، وكتبت لى على نفسك أن تفى بذلك. وتجوز حالّة ، وتسمى : القطاعة ، ومنجّمة وغير منجّمة.
وقوله تعالى : (إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً) ، أي : قدرة على الكسب ، وأمانة وديانة ، والنّدبية متعلقة بهذا الشرط ، فالخير هنا : القوة على الأداء بأي وجه كان ، وقيل : هو المال الذي يؤدي منه كتابته ، من غير أن يسأل أموال الناس ، وقيل : الصلاح في الدين.
(وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللهِ الَّذِي آتاكُمْ) ، هذا أمر بإعانة المكاتب على كتابته ، واختلف : من المخاطب بذلك؟ فقيل : هو خطاب للناس أجمعين ، وقيل : للولاة ، والأمر على هذين القولين للندب ، وقيل : للسادات المكاتبين ، وهو على هذا القول ، ندب عند مالك ، ووجوب عند الشافعي. فإن كان الأمر للناس ، فالمعنى : أن يعطوهم صدقة من أموالهم ، وإن كان للولاة : فيعطوهم من الزكوات أو من بيت المال ، وإن كان للسادات فيحطّوا عنهم من كتابتهم ، وقيل : يعطوهم من أموالهم ، من غير الكتابة ، وعلي القول بالحط من الكتابة اختلف في مقدار ما يحطّ ، فقيل : الربع ، وروي ذلك عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقيل : الثلث ، وقال مالك : لا حد في ذلك ، بل أقل ما يطلق عليه شيء ، إلا أن الشافعي يجبره علي ذلك ، ولا بجيره مالك. وزمان الحط عنه في آخر الكتابة عند مالك ، وقيل : في أول نجم. قاله ابن جزى.
الإشارة : العبيد على أربعة أقسام : عبد قن مقتنى للخدمة ، وعبد مأذون له فى التجارة ، وعبد مكاتب ، وعبد آبق. فمثال الأول ، وهو العبد القن : أهل الخدمة ، وهم العباد والزهاد ، أقامهم الحق تعالى لخدمته ، وقوّاهم على دوام معاملته ، أهل الصيام والقيام ، وأهل السياحة والهيام. ومثال الثاني ، وهو المأذون له : العارفون بالله ، يتصرفون فى ملك سيدهم بالله ، خلفاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، يحكمون بحكم الله ، ويأخذون من الله ويدفعون إلى الله ، يأخذون النصيب من كل شىء ، ولا يؤخذ من نصيبهم شىء ، قد سخّر لهم كل شىء ، ولم يسخّروا لشىء ، سلّطوا على كل شىء ، ولم
__________________
(١) عزاه السيوطي فى الدر المنثور (٥ / ٨١) لابن السكن فى معرفة الصحابة ، عن عبد الله بن صبيح ، عن أبيه.