أولا ، بما يعصم من الفتنة ، ويبعد عن مواقعة المعصية ، وهو غض البصر ، ثم بالنكاح المحصّن للدين ، المغني عن الحرام ، ثم بعزف النفس الأمارة بالسوء عن الطموح إلى الشهوة ، عند العجز عن النكاح ، إلى أن يقدر عليه. وبالله التوفيق.
الإشارة : الأرواح والقلوب والنفوس لا يظهر نتاجها حتى ينعقد النكاح بينها وبين شيخ كامل ، فإذا انعقدت الصحبة بينها وبين الشيخ ، قذف نطفة المعرفة فى الروح أو القلب أو النفس ، ثم يربيها فى مشيمة الهمّة ، ثم فى حضانة الحفظ والرعاية ، فيظهر منها نتاج اليقين والعلوم والأسرار والمعارف ، وأما إن بقيت أيامى ؛ لازوح لها ، فلا مطمع فى نتاجها ، قال تعالى : (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ) ، وهى الأرواح ، والصالحين من قلوبكم ، ونفوسكم ، إن يكونوا فقراء ؛ من اليقين ، والمعرفة بالله ، يغنهم الله من فضله ؛ بمعرفته ، والله واسع عليم ، وليتعفف ، عن المناكر ، الذين لا يجدون من يأخذ بيدهم ، حتى يغنيهم الله من فضله ؛ بالسقوط على شيخ كامل ؛ فإنه من فضل الله ومنته ، لا يسقط عليه إلا من اضطرّ إليه ، وصدق الطلب فى الوصول إليه. وبالله التوفيق.
ولما أمر بتزوج العبيد ، أمر بمكاتبتهم ، فقال :
(... وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللهِ الَّذِي آتاكُمْ ...)
قلت : الكتاب هنا : مصدر ، بمعنى الكتابة. وهى : مقاطعة العبد على مال منجّم ، فإذا أداه ؛ خرج حرا ، وإن عجز ، ولو عن نصف درهم ، بقي رقيقا.
يقول الحق جل جلاله : (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ) أي : والمماليك الذين يطلبون الكتابة (مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) ؛ من عبيدكم (فَكاتِبُوهُمْ) ، والأمر للندب ، عند مالك والجمهور ، وقال الظاهرية وغيرهم : على الوجوب ، وهو ظاهر قول عمر رضي الله عنه لأنس بن مالك ، حين سأله مملوكه سيرين الكتابة ، فأبى عليه أنس ، فقال له عمر : لتكاتبنه ، أو لأوجعنّك بالدّرّة (١). وإنما حمله مالك على الندب ؛ لأن الكتابة كالبيع ، فكما لا يجبر على البيع لا يجبر عليها.
__________________
(١) أخرجه عبد الرزّاق فى المصنف (٨ / ٣٧٢ ح ١٥٥٧٨) ، والطبري (١٨ / ١٢٦).