عنه أولى. وفى قوله : «متى تقوم الساعة إلا الله» ؛ إشارة إلى علوم الآخرة ، فإن يوم القيامة أولها ، وإذا نفى علم الأقرب انتقى علم ما بعد ، فجمعت الآية أنواع الغيوب ، وأزالت جميع الدعاوى الفاسدة. وقد بيّن فى قوله تعالى : فى الآية الأخرى ، وهى قوله : (فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى ..) (١) الآية ، أن الاطلاع على شىء من هذه الأمور لا يكون إلا بتوقيف. ه ملخصا.
والحاصل : أن العوالم التي اختص الله بها خمسة : عالم القيامة وما يقع فيه ، والعالم العلوي وما ينشأ منه ، وعالم الأرض وما يقع فيه ، وعالم الإنسان وما يجرى عليه ، وعالم الزمان وما يقع فيه. (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) عليم بالغيوب ، خبير بما كان وبما يكون. وعن الزهري : أكثروا من قراءة سورة لقمان ؛ فإن فيها أعاجيب ه.
الإشارة : يا أيها الناس المتوجهون إلى الله ، إنّ وعد الله بالفتح ، لمن أنهض همته إليه ، حق ، فلا تغرنكم الحياة الدنيا ؛ بأشغالها ، عن النهوض إليها ، ولا يغرنكم بكرم الله الشيطان الغرور ، فيغركم بكرم الله ، ويصرفكم عن المجاهدة والمكابدة ؛ إذ لا طريق إلى الوصول إلا منهما ، إن الله عنده علم الساعة التي يفتح على العبد فيها ، وينزل غيث المواهب والواردات ، ويعلم ما فى أرحام الإرادة ، من تربية المعرفة واليقين ، وما تدرى نفس ماذا تكسب غدا من زيادة الإيمان ونقصانه ، وما تلقاه من المقادير الغيبية ، فيجب عليها التفويض والاستسلام ، وانتظار ما يفعل الله بها فى كل غد ، وما تدرى نفس بأى أرض من العبودية تموت فيها ، إن الله عليم خبير.
قال القشيري : فى قوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ) : خوّفهم ، تارة ، بأفعاله ، فيقول : (اتَّقُوا يَوْماً) (٢) ، وتارة بصفاته ، فيقول : (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرى) (٣) ، وتارة بذاته ، فيقول : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) (٤). ه. وبالله التوفيق ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله.
__________________
(١) الآيتان ٢٦ ـ ٢٧ من سورة الجن.
(٢) جاء فى آيات كثيرة ، منها الآية ٤٨ من سورة البقرة.
(٣) من الآية ١٤ من سورة العلق.
(٤) من الآية ٢٨ من سورة آل عمران.