إِنَّا مُوقِنُونَ (١٢) وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١٣) فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا إِنَّا نَسِيناكُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٤) إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (١٥))
يقول الحق جل جلاله : (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) ؛ بقبض أرواحكم فتموتون ، (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) ؛ بالبعث للحساب والعقاب. وهذا معنى لقاء الله الذي أنكروه. والتوفى : استيفاء الروح ، أي : أخذها ، من قولك : توفيت حقى من فلان ، إذا أخذته وافيا من غير نقصان. وعن مجاهد : زويت الأرض لملك الموت ، وجعلت مثل الطست ، يتناول منها حيث يشاء (١). وعن مقاتل والكلبي : بلغنا أن اسم ملك الموت «عزرائيل» ، وله أربعة أجنحة : جناح بالمشرق وجناح بالمغرب ، والخلق بين رجليه ، ورأسه وجسده كما بين السماء والأرض ، وله الدنيا مثل راحة اليد ، فهو يقبض أنفس الخلائق بمشارق الأرض ومغاربها ، وله أعوان من ملائكة الرحمة وملائكة العذاب. وعن معاذ بن جبل : أن لملك الموت حربة ، تبلغ ما بين المشرق والمغرب ، وهو يتصفح وجوه الموتى ، فما من أهل بيت إلا وهو يتصفحهم كل يوم مرتين ـ وفى حديث آخر ، خمس مرات ـ فإذا رأى إنسانا قد انقضى أجله ؛ ضربه بتلك الحربة. وقال : الآن يزار بك عسكر الأموات (٢).
فإن قيل : ما الجمع بين قوله : (تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا) (٣) و (تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) (٤) و (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ) وقوله : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ) (٥)؟ فالجواب : أن توفى الملائكة : القبض والنزع ، وتوفى ملك الموت الدعاء والأمر ، يدعو الأرواح فتجيبه ، ثم يأمر أعوانه بقبضها ، ثم يذهبون بها إلى عليين. وقبض الحق تعالى : خلق الموت فيه. والحاصل : أنّ قبض الملك : المباشرة ، وقبض الحق : الإخراج ؛ حقيقة.
قال الورتجبي : قال الحسن : ملك الموت هو الموكل بأرواح بنى آدم ، وملك الفناء موكل بأرواح البهائم. فانظر فيه. وأما حديث ملكى الموت والحياة ، فقال العراقي : لم أجد له أصلا. ويعنى بملك الحياة : كون الأرواح ، أنفاس ملك الحياة ؛ كما فى الإحياء. ومذهب أهل السّنة قاطبة : أن ملك الموت هو الذي يقبض جميع الأرواح ، من بني آدم
__________________
(١) أخرجه الطبري (٢١ / ٩٨).
(٢) ذكره البغوي فى تفسيره (٦ / ٣٠٢).
(٣) من الآية ٦١ من سورة الأنعام.
(٤) من الآية ٩٧ من سورة النساء.
(٥) من الآية ٤٢ من سورة الزمر.