(وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ) أي : النصر ، أو الفصل بالحكومة ؛ من قوله : (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا) (١). وكان المسلمون يقولون : إن الله سيفتح لنا على المشركين ، أو يفتح بيننا وبينهم ، فإذا سمع المشركون ، قالوا : متى هذا الفتح؟ أي : فى أي وقت يكون (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) فى أنه كائن؟.
(قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ) أي : يوم القيامة هو يوم الفصل بين المؤمنين وأعدائهم. أو : يوم نصرهم عليهم. أو : يوم بدر ، أو يوم فتح مكة ، (لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ) ؛ لفوات محله ، الذي هو الإيمان بالغيب ، (وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) ؛ يمهلون ، وهذا الكلام لم ينطبق ؛ جوابا عن سؤالهم ؛ ظاهرا ، ولكن لمّا كان غرضهم فى السؤال عن وقت الفتح استعجالا منهم ، على وجه التكذيب والاستهزاء ، أجيبوا على حسب ما عرف من غرضهم من سؤالهم ، فقيل لهم : لا تستعجلوا به ولا تستهزئوا ، فكأنى بكم وقد حصلتم فى ذلك اليوم وآمنتم ، فلم ينفعكم الإيمان ، واستنظرتم عند درك العذاب فلم تمهلوا. ومن فسره بيوم بدر أو بيوم الفتح ، فهو يريد المقتولين منهم ؛ فإنهم لا ينفعهم إيمانهم فى حال الفعل ، كما لم ينفع فرعون إيمانه عند درك الغرق. (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ) النصر وهلاكهم ، (إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ) الغلبة عليكم وهلاككم.
قال عليه الصلاة والسلام : «من قرأ (الم تَنْزِيلُ) فى بيته ، لم يدخل الشيطان به ثلاثة أيام» (٢).
الإشارة : أو لم يروا أنا نسوق الماء الذي تحيا به القلوب على يد المشايخ ، إلى القلوب الميتة بالجهل والغفلة ، فنخرج به ثمار الهداية إلى الجوارح ، تأكل منه ، من لذة حلاوته ، جوارحهم وقلوبهم ، أفلا يبصرون؟. ويقول أهل الإنكار لوجود هذا الماء : متى هذا الفتح ، إن كنتم صادقين فى أنه موجود؟ قال : يوم الفتح الكبير ـ وهو يوم يرفع الله أولياءه فى أعلى عليين ـ لا ينفع الذين كفروا بالخصوصية ، فى دار الدنيا ، إيمانهم فى الالتحاق بهم ، ولا هم يمهلون حتى يعملوا مثل عملهم ، فأعرض عنهم اليوم ، واشتغل بالله ، وانتظر هذا اليوم ، إنهم منتظرون لذلك.
قال القشيري : «أولم يروا ..» الآية. الإشارة فيه : نسقى حدائق [وصلهم] (٣) ، بعد جفاف عودها ، فيعود عودها مورقا بعد ذبوله ، حاكيا حاله حال حصوله ، (ويقولون متى هذا الفتح ..) استبعدوا يوم التلاق ، وجحدوه ، فأخبرهم
__________________
(١) من الآية ٨٩ من سورة الأعراف.
(٢) قال ابن حجر فى الكافي الشاف (ح ١٩٦) : «لم أجده». وانظر : الفتح السماوي (٢ / ٩٢٦).
(٣) فى الأصول المخطوطة (وصفهم) والمثبت هو الذي فى لطائف الإشارات.