ومنها : أن الله تعالى أمر بها ، وحضّنا عليها ، تشريفا له وتكريما ، وتفضيلا لجلاله ، ووعد من استعملها حسن المآب ، وجزيل الثواب ، فهى من أنجح الأعمال ، وأرجح الأقوال ، وأزكى الأحوال ، وأحظى القربات ، وأعم البركات. وبها يتوصل إلى رضا الرحمن ، وتنال السعادة والرضوان ، وتجاب الدعوات ، ويرتقى إلى أرفع الدرجات. وأوحى الله تعالى إلى موسى عليهالسلام : يا موسى أتريد أن أكون أقرب إليك من كلامك إلى لسانك ، ومن وسواس قلبك إلى قلبك ، ومن روحك إلى بدنك ، ومن نور بصرك إلى عينيك؟ قال : نعم يا رب ، قال : فأكثر من الصلاة على محمد صلىاللهعليهوسلم.
ومنها : أنه صلىاللهعليهوسلم محبوب لله عزوجل ، عظيم القدر عنده ، وقد صلّى عليه هو وملائكته ، فوجبت محبة المحبوب ، والتقرب إلى الله تعالى بمحبته ، وتعظيمه ، والاشتغال بحقه ، والصلاة عليه ، والاقتداء بصلاته ، وصلاة ملائكته عليه. قلت : وهذا التشريف أتم وأعظم من تشريف آدم عليهالسلام ، بأمر الملائكة بالسجود له ؛ لأنه لا يجوز أن يكون الله مع الملائكة فى ذلك التشريف. فتشريف يصدر عنه مع ملائكة أبلغ من تشريف تختص به الملائكة.
ومنها : ما ورد فى فضلها ، ووعد عليها من جزيل الأجر وعظيم القدر ، وفوز مستعملها برضا الله ، وقضاء حوائج آخرته ودنياه.
ومنها : ما فيها من شكر الواسطة فى نعم الله علينا المأمور ، بشكره ، وما من نعمة لله علينا ، سابقة ولا لاحقة ؛ من نعمة الإيجاد والإمداد ، فى الدنيا والآخرة ، إلا وهو السبب فى وصولها إلينا ، وإجرائها علينا ، فوجب حقه علينا ، ووجب علينا فى شكر نعمته ألا نفتر عن الصلاة عليه ، مع دخول كل نفس وخروجه.
ومنها : ما فيها من القيام برسم العبودية ، بالرجوع لما يقتضى الأصل نفيه ، فهو أبلغ فى الامتثال ، ومن أجل ذلك كانت فضيلة الصلاة على النبي صلىاللهعليهوسلم على كل عمل. والذي يقتضى الأصل نفيه ، هو كون العبد يتقرب إلى الله بالاشتغال بحق غيره ؛ لأن قولنا «اللهم صلّ على محمد» هو الاشتغال بحق محمد صلىاللهعليهوسلم ، وأصل التعبدات : ألا يتقرب إلى الله تعالى إلا بالاشتغال بحقه. ولكن لمّا كان الاشتغال بالصلاة على محمد بإذن من الله تعالى ، كان الاشتغال بها أبلغ فى امتثال الأمر ، فهى بمثابة أمر الله تعالى للملائكة بالسجود لآدم ، فكان شرفهم فى امتثال أمر الله ، وإهانة إبليس فى مخالفة أمره سبحانه.
ومنها : ما جرب من تأثيرها ، والنفع بها فى التنوير ورفع الهمة ، حتى قيل : إنها تكفى عن الشيخ فى الطريق ، وتقوم مقامه ، حسبما نقله الشيخ السنوسى ، والشيخ زروق ، وغيرهما.