يقول الحق جل جلاله : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَ) أي : يرخين على وجوههنّ من جلابيبهن فيغطين بها وجوههن. والجلباب : كل ما يستر الكل ، مثل الملحفة ، والمعنى : قل للحرائر يرخين أرديتهن وملاحفهن ويغطين بها وجوههن ورؤوسهن ، ليعلم أنهن حرائر فلا يؤذين. و (ذلِكَ أَدْنى) أي : أقرب وأجدر ، (أَنْ يُعْرَفْنَ) من الإماء (فَلا يُؤْذَيْنَ) ، وذلك أن النساء فى أول الإسلام كن على زيهنّ فى الجاهلية متبدّلات ، تبرز المرأة فى درج وخمار ، لا فصل بين الحرّة والأمة. وكان الفتيان يتعرّضون للإماء ، إذا خرجن بالليل لقضاء حاجتهنّ فى النخيل والغيضات (١) ، وكن يخرجن مختلطات مع الحرائر ، فربما تعرضوا للحرّة ، يحسبونها أمة ، فأمرن أن يخالفن بزيهنّ عن زى الإماء بلباس الجلابيب ، وستر الرؤوس والوجوه ، فلا يطمع فيهنّ طامع.
قال ابن عباس رضي الله عنه : أمر الله تعالى نساء المؤمنين أن يغطين رؤوسهن ووجوههن بالجلابيب ، ويبدين عينا واحدة. قلت : وقد مرّ فى سورة النور (٢) أن الوجه والكفين ليس بعورة ، إلا لخوف الفتنة ، وأما الإماء فلا تسترن شيئا إلا ما بين السرة والركبة ، كالرجل. قال أنس : مرت جارية متقنعة بعمر بن الخطاب فعلاها بالدرة ، وقال : يا لكاع أنت تشبهين بالحرائر ، فألق القناع. (وَكانَ اللهُ غَفُوراً) لما سلف منهن من التفريط ، (رَحِيماً) بتعليمهن آداب المكارم.
الإشارة : ينبغى لنساء الخواص أن يتميزن من نساء العامة ؛ بزيادة الصّون والتحفظ ، وقلة الخروج ، فإذا لزمهنّ الخروج ، فليخرجن فى لباس خشين ، بحيث لا يعرفن ، أو يخرجن ليلا. وثبت أن زوجة الشيخ أبى الحسن الشاذلى رضي الله عنه لم تخرج من دارها إلا خرجتن ؛ خرجة حين زفت إلى زوجها ، وخرجة إلى المقابر. نفعنا الله ببركاتهم. آمين.
ثم هدد المنافقين ، حيث كانوا [يؤذوان] (٣) رسول الله صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين ، فقال :
(لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلاَّ قَلِيلاً (٦٠) مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً (٦١) سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً (٦٢))
__________________
(١) الغيضة : هى الشجر الملتف ، وجمعه : غياض وغيضات. انظر اللسان (غيض ٥ / ٣٣٢٧).
(٢) راجع تفسير الآية ٣١ من سورة النور.
(٣) فى الأصول الخطية [يؤذوا] ..