ولمّا كان قيام الساعة من الغيوب المستقبلية الحقية أتبعه بقوله : (عالِمِ الْغَيْبِ) ، وقرأ حمزة والكسائي : «علّام الغيب» ، بالمبالغة ، يعلم ما غاب فى عالم ملكه وملكوته ، (لا يَعْزُبُ عَنْهُ) : لا يغيب عن علمه (مِثْقالُ ذَرَّةٍ) : مقدار أصغر نملة (فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ ، وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ) أي : من مثقال ذرة (وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) ؛ فى اللوح المحفوظ ، أو فى علمه القديم ، وكنّى عنه بالكتاب ؛ لأن الكتاب يحصى ما فيه.
قال الغزالي ، فى عقيدة أهل السنة : وأنه تعالى عالم بجميع المعلومات ، محيط بما يجرى من تخوم الأرض إلى أعلى السماوات ، لا يعزب عن علمه مثقال ذرة فى الأرض ولا فى السماء ، يعلم دبيب النملة السوداء ، على الصخرة الصماء ، فى الليلة الظلماء ، ويدرك حركة الذر فى جو السماء ، ويعلم السر وأخفى ، ويطّلع على هواجس الضمائر ، وحركات الخواطر ، وخفيات السرائر ، بعلم قديم أزلى ، لم يزل موصوفا به فى أزل الأزل. ه.
ثم علل إتيان الساعة بقوله : (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ، أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) لما اقترفوا من العصيان ، وما قصروا فيه من مدراج الإيمان ، (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) لما صبروا عليه من مناهج الإحسان. (وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ) بالإبطال وتعويق الناس عنها ، (أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ) أي : لهم عذاب من أقبح العذاب مؤلم. ورفع «أليم» مكى وحفص ويعقوب ، نعت لعذاب ، وغيرهم بالجر نعت لرجز. قال قتادة : الرجز : سوء العذاب (١).
الإشارة : بقدر ما يربو الإيمان فى القلب يعظم الإيمان بالبعث وما بعده ، حتى يكون نصب عين المؤمن ، لا يغيب عنه ساعة ، فإذا دخل مقام العيان ، استغرق فى شهود الذات ، فغاب عن الدارين ، ولم يبق له إلا وجود واحد ، يتلون بهيئة الدنيا والآخرة. وفى الحقيقة ما ثمّ إلا واحد أحد ، الأكوان ثابتة بإثباته ، ممحوة بأحدية ذاته. كان الله ولا شىء معه ، وهو الآن كما كان ، ويكون فى المآل كما هو الآن. والله تعالى أعلم.
ثم ذكر ضدهم ، فقال :
(وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (٦))
__________________
(١) أخرجه الطبري (٢٢ / ٦١).