وصف النور المذكور قبلها مبالغة. ه. وقوله : لما ذكر حال المؤمنين ، يعنى بقوله : (رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ ..) إلخ ، الله بقوله : (يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ) ، وقيل : كلا المثالين فى الآخرة ، يخيبون من نفعها ، ويخوضون فى بحر ظلمتها.
(وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً) فى قلبه ، من نور توحيده ومعرفته ، (فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) أي : من لم يشأ الله أن يهديه لنوره : لم يهتد ، وفى الحديث : «خلق الله الخلق فى ظلمة ، ثم رش عليها من نوره ، فمن أصابه ذلك النور اهتدى ، ومن أخطأه ضل» ، وينبغى للقارىء عند هذه الآية أن يقول : (اللهمّ اجعل فى قلبى نورا ، وفى سمعى نورا ، وفى بصرى نورا ، وعن يمينى نورا ، وعن شمالى نورا ، ومن فوقى نورا ، ومن تحتى نورا ، واجعلنى نورا ، وأعظم لى نورا) (١) ، كما فى الحديث فى غير هذا المحل.
الإشارة : كل من لم يتحقق بمقام الإخلاص كانت أعماله كسراب بقيعة ، يحسبه الظمآن ماء ، حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ، ووجد الله عنده ، فوفاه حسابه ، أي : يناقشه فيما أراد بعمله ، وأهل التوحيد الخاص : الوجود كله ، عندهم ، كالسراب ، يحسبه الناظر إليه شيئا ، حتى إذا جاءه بفكرته لم يجده شيئا ، ووجد الله عنده وحده ، وفيه يقول الشاعر :
من أبصر الخلق كالسّراب |
|
فقد ترقّى عن الحجاب |
إلى وجود تراه رتقا |
|
بلا ابتعاد ولا اقتراب |
ولم تشاهد به سواه |
|
هناك يهدى إلى الصّواب |
فلا خطاب به إليه |
|
ولا مشير إلى الخطاب |
ومثال من عكف على دنياه ، واتخذ إلهه هواه ، كذى ظلمات فى بحر لجى ، وهو بحر الهوى ، يغشاه موج الجهل والمخالفات ، من فوقه موج الحظوظ والشهوات ، من فوقه سحاب أثر الكائنات ، أو : يغشاه موج الغفلات ، من فوقه موج العادات ، من فوقه سحاب الكائنات ، ظلمات بعضها فوق بعض ؛ من حب الدنيا ، وحب الجاه ، وحب الرئاسة ، إذا أخرج يد فكرته لم يكد يراها.
__________________
(١) أخرجه البخاري فى (الدعوات ، باب الدعاء إذا انتبه من الليل ح ٦٣١٦) ، ومسلم فى (صلاة المسافرين ، باب الدعاء فى صلاة الليل ، ١ / ٥٢٥ ـ ٥٢٦ ، ح ٧٦٣) ، من حديث ابن عباس رضي الله عنه.