والفرق بين الخوف والرهبة والخشية : أن الخوف من العقاب ، والرهبة من العتاب ، والخشية من الإبعاد. قال القشيري : والفرق بين الخشية والرهبة : أنّ الرهبة : خوف يوجب هرب صاحبه ، فيجرى فى تفرقته. والخشية إذا حصلت كبحت صاحبها ، فيبقى مع الله. فقدمت الخشية على الرهبة فى الجملة ، والخوف قضية الإيمان ، قال تعالى : (وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (١). والخشية قضية العلم والهيبة. ه. ثم قال : العالم يخاف تقصيره فى حقّ ربه ، والعارف يخشى من سوء أدبه وترك احترام ، وانبساط فى غير وقت ، بإطلاق لفظ ، أو ترخيص بترك الأولى. ه.
قال الورتجبي : الخوف عموم ، والخشية خصوص. وقد قرن سبحانه الخشية بالعلم ، أي : العلم بالله وجلاله وقدره وربوبيته وعبوديته له. وحقيقة الخشية : وقوع إجلال الحق فى قلوب العارفين ، ممزوجا بسنا التعظيم ، ورؤية الكبرياء والعظمة ، ولا يحصل ذلك إلا لمن شاهد القدم ، والأزل ، والبقاء ، والأبد ، فمن زاد علمه بالله زاد خشية ، لقوله صلىاللهعليهوسلم : «أنا أعرفكم بالله وأخشاكم منه». ه. وفى الحديث : قيل يا رسول الله : أي الأعمال أفضل؟ قال : «العلم» قيل : أىّ العلم؟ قال : «العلم بالله سبحانه» (٢). وقال صلىاللهعليهوسلم : «ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه؟ والله إنى لأعلمكم بالله ، وأشدّكم له خشية» (٣).
ثم قال (٤) : عن جعفر الصادق : العلم أمر ترك الحرمة فى العبادات ، وترك الحرمة فى الحياء من الحق ، وترك الحرمة فى متابعة الرسول ، وترك الحرمة فى خدمة الأولياء الصدّيقين. ه. ومعى كلامه : أن العلم الحقيقي هو الذي يأمن صاحبه من انتهاك حرمة العبادات ، ومن هتك حرمة الاحتشام من الله ورسوله وأوليائه. ومن أراد من العلماء السلامة من الاغترار بالعلم فليطالع شرح ابن عباد ، فى قول الحكم : «العلم إن قارنته الخشية فلك ، وإلا ، فعليك». وبالله التوفيق.
__________________
(١) من الآية ١٧٥ من سورة آل عمران.
(٢) ذكره ابن عراق فى تنزيه الشريعة (كتاب العلم ، ١ / ٢٧٨ ، القسم الثالث) وعزاه لابن حبان ، والديلمي عن أنس ، عن طريق عباد ابن عبد الصمد. قال فى تنزيه الشريعة (١ / ٧٠) : «عباد بن عبد الصمد عن أنس ، بنسخة ، أكثرها موضوع. قاله ابن حبان».
قلت : معني الحديث صحيح.
(٣) أخرجه البخاري فى (الاعتصام ، باب ما يكره من التعمق والتنازع والغلو فى الدين والبدع ، ح ٧٣٠١) ، ومسلم فى (الفضائل ، باب علمه صلىاللهعليهوسلم بالله وشدة خشيته ، ٤ / ١٨٢٩ ، ح ٢٣٥٦) من حديث السيدة عائشة بلفظ : «... لأنا أعلمهم بالله ، وأشدهم له خشية».
(٤) أي : الورتجبي.