فقالا : نشفى المريض ، ونبرىء الأكمه والأبرص ، وكان له ابن مريض منذ سنين ، فمسحاه ، فقام ، فآمن حبيب ، وفشا الخبر ، فشفى على أيديهما خلق كثير ، فدعاهما الملك ، وقال : ألنا إله سوى آلهتنا؟ فقالا : نعم ، من أوجدك وآلهتك ، فقال : قوما حتى أنظر فى أمركما ، فحبسهما.
ثم بعث عيسى عليهالسلام شمعون ، فدخل متنكرا ، وعاشر حاشية الملك ، حتى استأنسوا به ، ورفعوا خبره إلى الملك ، فاستأنس به. فقال له ذات يوم : بلغني أنك حبست رجلين ، فهل سمعت قولهما؟ قال : لا ، فدعاهما. فقال شمعون : من أرسلكما؟ فقالا : الله الذي خلق كل شىء ، ورزق كل حىّ ، وليس له شريك. فقال : صفاه وأوجزا ، فقالا : يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد ، قال : وما آيتكما؟ قالا : ما يتمنّى الملك ، فدعا بغلام أكمه ، فدعوا الله ، فأبصر الغلام ، فقال شمعون للملك : أرأيت لو سألت إلهك حتى يصنع مثل هذا ، فيكون لك وله الشرف؟ فقال : ليس لى عنك سرّ ، إن إلهنا لا يبصر ولا يسمع ، ولا يضر ، ولا ينفع. فقال : إن قدر إلهاكما على إحياء ميّت آمنا ، فدعوا بغلام مات منذ سبعة أيام ، فقام ، فقال : إنى دخلت فى سبعة أودية من النار لما مت عليه من الشرك ، وأنا أحذّركم ما أنتم عليه! فآمنوا. قال : وفتحت أبواب السماء ، فرأيت شابا حسن الوجه ، يشفع لهؤلاء الثلاثة ، قال الملك : من هم؟ قال : شمعون وهذان ، فتعجّب الملك. فلمّا رأى شمعون أن قوله أثّر فيه ، نصحه وآمن ، وآمن قوم ، ومن لم يؤمن صاح عليهم جبريل ، فهلكوا (١). كما سيذكره بقوله : (إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ).
وهذا معنى قوله هنا : (فَكَذَّبُوهُما) أي : فكذّب أصحاب القرية المرسلين ، (فَعَزَّزْنا) : قويناهما. وقرأ شعبة بالتخفيف ، من : عزّه : غلبه ، أي : فغلبنا وقهرنا (بِثالِثٍ) ، وهو شمعون ، وترك ذكر المفعول به ؛ لأنّ المراد ذكر المعزّز به ، وهو شمعون ، وما لطف به من التدبير حتى عزّ الحق ، وذلّ الباطل. وإذا كان الكلام منصبا إلى غرض من الأغراض جعل سياقه له وتوجّهه إليه كأنما سواه مرفوض. (فَقالُوا) أي : الثلاثة لأهل القرية : (إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ) من عند عيسى ، الذي هو من عند الله. وقيل : كانوا أنبياء من عند الله ـ عزوجل ـ أرسلهم إلى قرية ، ويرجحه قول الكفرة : (ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) ، إذ هذه محاورة إنما تقال لمن ادعى الرسالة ، أي : ما أنتم إلا بشر ، ولا مزية لكم علينا ؛ (وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ) أي : وحيا ، (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ) فيما تدعون من الرسالة. (قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ) ، أكّد الثاني باللام دون الأول ؛ لأن الأول مجرد إخبار ،
__________________
(١) انظر تفسير البغوي (٧ / ١١ ـ ١٢).