ثم وعد أهل الإخلاص بالنصر والتمكين ، فقال :
(وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٥٥) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٥٦))
قلت : (ليستخلفنهم) : جواب لقسم مضمر ، أو تنزيل وعده تعالى منزلة القسم ، و (كما) : الكاف : محلها النصب على المصدر التشبيهى ، أي : استخلافا كائنا كاستخلافه من قبلهم. و (ما) : مصدرية. و (يعبدوننى) : حال من الموصول الأول ، مقيدة للوعد بالثبات على التوحيد ، أو استئناف ببيان مقتضى الاستخلاف ، و (لا يشركون) : حال من واو (يعبدوننى).
يقول الحق جل جلاله : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ) أي : كل من اتصف بالإيمان بعد الكفر من أي طائفة كان ، وفى أي وقت وجد ، لا من آمن من المنافقين فقط ، ولا من آمن بعد نزول الآية الكريمة ، بحسب ظهور الوعد الكريم. و (من) : للبيان. وقيل : للتبعيض ، ويراد المهاجرون فقط (١). (وَعَمِلُوا) مع الإيمان الأعمال (الصَّالِحاتِ) ، وتوسيط المجرور بين المعطوفين ؛ لإظهار أصالة الإيمان وعراقته فى استتباع الآثار والأحكام ، والإيذان بكونه أول ما يطلب منهم ، وأهم ما يجب عليهم.
وأما تأخيره فى قوله : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً) (٢) ؛ فإن الضمير للذين آمنوا معه صلىاللهعليهوسلم ؛ فلا ريب أنهم جامعون بين الإيمان والأعمال الصالحة ، مثابون عليها ، فلا بد من ورود بيانهم بعد نعوتهم الجليلة بكمالها.
ثم ذكر الموعود به ، فقال : (لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ) أي : ليجعلنهم خلفاء متصرفين فيما تصرف الملوك فى مماليكهم ، والمراد بالأرض : أرض الكفار كلها ، لقوله عليه الصلاة والسلام : «ليدخلن هذا الدين ما دخل الليل والنهار» (٣) ،
__________________
(١) هذا التخصيص والقصر ، لا برهان عليه ، صحيح أن المقصود بالآية هم أولا ، المهاجرون والأنصار ، ولكن كل من تحققت فيه الآية ، فهو متحقق له التمكين ـ بإذن الله .. (وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ...)
(٢) من الآية ٢٩ من سورة الفتح.
(٣) أخرجه أحمد فى المسند (٤ / ١٠٣) والبيهقي فى الكبرى (٩ / ١٨١) والحاكم (٤ / ٤٣٠) وصححه ، ووافقه الذهبي ، من حديث تميم الداري ، بلفظ : «ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله هذا الدين ، بعز عزيز ، أو بذل ذليل ، يعز بعز الله فى الإسلام ، ويذل به فى الكفر».