ثم ذكر كسره الأصنام ، وما ترتب عليه ، فقال :
(فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (٨٨) فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ (٨٩) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (٩٠) فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ فَقالَ أَلا تَأْكُلُونَ (٩١) ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ (٩٢) فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ (٩٣) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (٩٤) قالَ أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ (٩٥) وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ (٩٦) قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (٩٧) فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ (٩٨))
يقول الحق جل جلاله : (فَنَظَرَ) إبراهيم (نَظْرَةً فِي النُّجُومِ) ، وذلك أن قومه كانوا يتعاطون علم النجوم ، فعاملهم بما يعلمون ؛ لئلا ينكروا عليه تخلّفه. وكانو يقولون : إذا طلع سهيل مقابل الزهرة سقم من نظر إليه ، فاعتلّ عليهم ؛ لأنه نظر إليه ليتركوه. وذلك أنه كان لهم من الغد عيد ومجمع ، وكانوا يدخلون على أصنامهم ، فيقربون إليها القرابين ، ويضعون بين أيديها الطعام ، قبل خروجهم إلى عيدهم ، لتبارك عليه ، فإذا قدموا أكلوه. فلما نظر إلى النجوم ، قال : (إِنِّي سَقِيمٌ) ؛ إنى مشارف للسقم ـ وهو الطاعون ، وكان أغلب الأسقام عليهم ، وكانوا يخافون العدوى ـ ليتفرقوا عنه ، فهربوا منه إلى عيدهم ، وتركوه فى بيت الأصنام ، ليس معه أحد ، ففعل بالأصنام ما فعل. قيل : إن علم النجوم كان حقا ثم نسخ الاشتغال به.
والكذب حرام إلا إذا عرّض. والذي قاله إبراهيم عليهالسلام معراض من الكلام ، أي : سأسقم ، أو : من فى عنقه الموت سقيم ، أو : سقيم مما أرى من مخالفتكم وعبادتكم الأصنام. وعلى كل حال لم يلم إبراهيم بشىء من الكذب ، وإنما عرّض. وأيضا : إنما كان لمصلحة ، وقد أبيح لها ، كالجهاد ونحوه. وفى الحديث : «ما كذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات ، ما منها واحدة إلا وهو يناضل عن دينه ؛ لقوله : (إِنِّي سَقِيمٌ) ، وقوله : (فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ) (١) ، وقوله لسارة : هى أختى» (٢).
قال السدى : خرج معهم إلى بعض الطريق ، فوقع فى نفسه كيده آلهتهم ، فقال : إنى سقيم أشتكى رجلى. (فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ) ؛ أعرضوا عنه مولين الأدبار ، (فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ) ؛ فمال إليها سرّا ، وكانت اثنتين وسبعين صنما من خشب ، وحديد ، ورصاص ، ونحاس ، وفضة ، وذهب ، وكان كبيرهم من ذهب ، فى عنقه
__________________
(١) من الآية ٦٣ من سورة الأنبياء.
(٢) أخرجه بنحوه البخاري فى (أحاديث الأنبياء ، باب : قول الله تعالى : (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً) ، ح ٣٣٥٨) ومسلم فى (الفضائل ، باب من فضائل إبراهيم الخليل عليهالسلام ٤ / ١٨٤٠ ح / ٢٣٧١) من حديث أبى هريرة رضي الله عنه.