ثم شرع فى تفصيل أحكامها ، فقال : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) ؛ إذا كانا حرّين ، بالغين ، غير محصنين ، وألا تكون المرأة مكرهة. وظاهر الآية : عموم المحصن وغيره ، ثم نسخ بالسنة المشهورة. وقد رجم ـ عليه الصلاة والسلام ـ ماعزا وغيره. وعن على رضي الله عنه : جلدتهما بكتاب الله ، ورجمتهما بسنة رسول الله صلىاللهعليهوسلم. وقيل : نسخ بآية منسوخة التلاوة ، وهى : (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتّة ؛ نكالا من الله والله عزيز حكيم) ، ويأباه ما روى عن على رضي الله عنه. ه. قاله أبو السعود.
وشرط الإحصان : العقل ، والحرية ، والإسلام ، والبلوغ ، والتزوج بنكاح صحيح ، ودخول معتبر. وفى التعبير بالجلد ، دون الضرب ؛ إشارة إلى أنه لا يبالغ إلى أن يصل أثر الضرب إلى اللحم ، ولكن يخفف حتى يكون حد ألمه الجلد الظاهر. والخطاب للأئمة ؛ لأن إقامة الحدود من الدّين ، وهو على الكل ، إلا أنه لا يمكن الاجتماع ، فيقوم الإمام مقامهم ، وزاد مالك والشافعي مع الجلد : تغريب عام ، أخذا بالحديث الصحيح (١). وقال أبو حنيفة : إنه منسوخ بالآية.
(وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ) أي : رحمة ورقة. وفيها لغات : السكون ، والفتح مع القصر والمد ، كالنشأة والنشاءة ، وقيل : الرأفة فى دفع المكروه ، والرحمة فى إيصال المحبوب. (فِي دِينِ اللهِ) أي : فى طاعته وإقامة حدوده ، والمعنى : أن الواجب على المؤمنين أن يتصلبوا فى دين الله ، ولا يأخذهم اللين حتى يتركوا حدود الله. (إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) ، هو من باب التهييج ، وإلهاب الغضب لله ، ولدينه ، فإن الإيمان يقتضى الجد فى طاعته ، والاجتهاد فى إجراء أحكامه. وذكر اليوم الآخر ؛ لتذكير ما فيه العقاب فى مقابلة المسامحة. وجواب الشرط : مضمر ، أي : إن كنتم تؤمنون بالله فاجلدوا ولا تعطلوا الحد.
قيل لأبى مجلز فى هذه الآية : والله إنا لنرحمهم إن يجلد الرجل أو تقطع يده ، فقال : إنما ذلك فى السلطان ، ليس له أن يدعهم رحمة لهم. وجلد ابن عمر جارية ، فقال للجلاد : ظهرها ورجليها وأسفلها ، وخفّف ، فقيل له : أين قوله : (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ) ..؟ فقال : أأقتلها؟ ، إنّ الله أمرنى أن أضربها وأأدبها ، ولم يأمرنى أن أقتلها. ه (٢). ويجرد للجلد إلا ما يستر العورة.
(وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما) أي : وليحضر موضع حدّهما (طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) ؛ زيادة فى التنكيل ، فإن التفضيح قد ينكل أكثر من التعذيب. قال بعض العلماء : ينبغى أن يقام بين يدى الحكام ، ولا يقيمه إلا فضلاء الناس وخيارهم ؛ لأنه قيام بقاعدة شرعية ، وقربة تعبدية ، يجب المحافظة على فعلها ، وقدرها ، ومحلها ، وحالها ، بحيث
__________________
(١) أخرج البخاري فى (الشهادات ، باب شهادة القاذف والسارق والزاني ح ٢٦٤٩) عن زيد بن خالد : «أن النبي صلىاللهعليهوسلم أمر فيمن زنى ولم يحصن بجلد مائة وتغريب عام».
(٢) أخرجه الطبري (١٨ / ٦٧).