(يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ) عند الموت أو البعث. و (يَوْمَ) : منصوب باذكر ، أو بما دل عليه : (لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ) ؛ فإنه بمعنى : يمنعون البشرى ، أو : لا يبشر المجرمون. انظر البيضاوي. والجملة : استئناف مسوق لبيان ما يلقونه عند مشاهدتهم لما اقترحوه من نزول الملائكة ، بعد استعظامه وبيان كونه فى غاية ما يكون من الشناعة. وإنما قيل : يوم يرون ، دون أن يقال : يوم تنزل ؛ إيذانا ، من أول الأمر ، بأن رؤيتهم لهم ليست على طريق الإجابة إلى ما اقترحوه ، بل على وجه آخر غير معهود. وتكرير (يومئذ) ؛ لتأكيد التهويل ، مع ما فيه من الإيذان بأن تقديم الظرف للاهتمام ، لا لقصر نفي البشرى على ذلك الوقت فقط ؛ فإن ذلك مخل بتفيظع حالهم. و (للمجرمين) : تعيين على أنه مظهر ، وضع موضع الضمير ؛ تسجيلا عليهم بالإجرام ، مع ما هم عليه من الكفر والطغيان.
(وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً) على ما ذكر من الفعل المنفي ، أي : لا يبشرون ، ويقولون. وهو ينبئ عن كمال فظاعة ما يحيق بهم من الشر ، وغاية هول مطلعه ، أي : يقولون ، عند مشاهدة ملائكة العذاب : حجرا محجورا ، أي : منعا ممنوعا منكم ، وهى كلمة تقولها العرب عند لقاء عدو هائل ، أو هجوم نازلة هائلة ، يضعونها موضع الاستعاذة ، فكأن المعنى : نسأل الله تعالى أن يمنع ذلك عنّا منعا ، ويحجره عنا حجرا. والمعنى : أنهم يطلبون نزول الملائكة ـ عليهمالسلام ـ ويقترحونه ، وهم إذا رأوهم كرهوا لقاءهم أشد كراهة ، وفزعوا منهم فزعا شديدا. وقالوا ، عند رؤيتهم ، ما كانوا يقولون عند نزول خطب شنيع وبأس فظيع.
وقيل : هو قول الملائكة ، أي : تقول الملائكة للمجرمين ، حين يرونهم : حجرا محجورا ، أي : حراما محرما عليكم البشرى ، أي : جعل الله ذلك حراما عليكم ، إنما البشرى للمؤمنين. و (الحجر) : مصدر ، يفتح ويكسر ، وقرئ بهما. من حجره ؛ إذا منعه. وهو من المصادر المنصوبة بأفعال متروك إظهارها. ومحجورا : لتأكيد معنى الحجر ، كما قالوا : موت مائت. وانظر ما وجّه به وقف الهبطى على «حجرا» ؛ فلعله الأوجه له.
ثم ذكر مآل أعمالهم ، فقال : (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) الهباء : شبه غبار يرى فى شعاع الشمس ، يطلع من كوّة. والقدوم هنا : مجاز. مثلت حال هؤلاء الكفرة وأعمالهم التي عملوها فى كفرهم ؛ من صلة رحم ، وإغاثة ملهوف ، وقرى ضيف ، وعتق ، ونحو ذلك ، بحال من خالف سلطانه ، فقدم إلى أشيائه ، وقصد إلى ما تحت يديه ، فأفسدها ، ومزقها كل ممزق ، ولم يترك لها عينا ولا أثرا ، أي : عمدنا إليها وأبطلناها ، أي : أظهرنا بطلانها بالكلية ، من غير أن يكون هناك قدوم. والمنثور : المفرّق ، وهو استعارة عن جعله لا يقبل الاجتماع ولا يقع به الانتفاع.